قراءة في مقدمة - كلمة - عبد الفتاح كيليطو الأدب و الغرابة
قراءة في مقدمة - كلمة - عبد الفتاح كيليطو الأدب و الغرابة
ليس غريبا أن يكتب المؤلف مقدمة لكتبه النقدية، فهذه من العادات المألوفة في كل كتاب نقدي، فالمقدمة تهيىء القارىء لاستقبال النص ووضعه في المكان الذي يريده له المؤلف، يمكن اعتبار المقدمة بمثابة تأطير للنص النقدي، وتوجيه القارىء نحو خيط رفيع يظن المؤلف أن بدونه قد تؤول كتاباته إلى دلالات لا يريدها، لكن مع أهمية المقدمة في النصوص النقدية إلا أنها تنطوي في بعض الأحيان على كثير من الخدع الفكرية ينبغي القارىء أن ينتبه إليها جيدا وهو يقرأ النص النقدي. فالنص النقدي عندما يكتب لا يصبح ملكا لصاحبه وإنما يصبح ملكا القارىء يستنطقه ويكتشف مجاهله ومستغلقاته.
يحاول المؤلف أن يقنعنا أنه قبل سنة 1969 لم يكن بعرف شيئا عن النقد الجديد، بل لم يكن يهتم بالمدارس الحديثة وما أنتجته من أفكار ومناهج، فقد كان يقتصر في تحليله للنصوص على طرق القدماء أو ما أسماه بالطريقة التقليدية التي تعتمد على تسجيل بعض الخواطر العابرة عن النصوص.
كان كيليطو- حسب ما صرح به- يقرأ لدوستوفسكي وبروست وفلوبير وكافكا، وكان يعتقد أن هؤلاء يمثلون الأدب الرفيع وغيرهم من الحداثيين يمثلون الأدب السخيف…!
ثم بدأ يقرأ مجلة Communication فاكتشف عوالم جديدة في دراسة الأدب وتحليل النصوص، وتعرف إلى مناهج ما كانت تخطر له عن بال، ومن هنا سيطور كيليطو أدواته التحليلية وأساليب دراسته للأدب لاكتشاف مساحات نصية لم يكن من اليسير التطرق إليها في ظل المناهج التقليدية القديمة، فكانت هذه المجلة بمثابة فتح كبير على كيليطو…
ومهما يكن من أمر، فإن هذا الاعتراف بالجهل والقصور من عبد الفتاح كيليطو قبل سنة 1969 ينبغي أن ينظر إليه من زاويتين:
1- شجاعة قل نظيرها عند مثقفينا الذين لا يعترفون بأخطائهم، فيعتقدون أن الثقافة كل الثقافة هي ما يمتلكونه وحدهم من معارف ومهارات، وبهذا الأسلوب لن يطوروا مهاراتهم ولن ينفتحوا أبدا على الآخر، بل تراهم يعيشون وهم الريادة حتى يجدوا أنفسهم يسبحون خارج تيار الفكر الحديث.
2- أنا أشك في هذا الاعتراف وأعتقد أنه اعتراف ماكر من مثقف يتحدث بلغة مهذبة وكأنه يقول للمثقفين الآخرين: أيها السادة إن مناهجكم وطرقكم في قراءة النصوص هي طرق بدائية لا يمكنها أن تضيء مساحات النصوص القديمة، فهي إذن دعوة للانفتاح أكثر على مناهج الدرس النقدي الحديث وتطوير تقنيات التحليل، ودليلنا على ذلك أن الثورة النقدية في فرنسا والكثير من الأفكار الجريئة في تحليل النصوص وقراءتها قد وصلت فرنسا قبل هذا التاريخ بفترة طويلة، أشير هنا إلى الشكلانيين الروس والبنيويات بكل مدارسها واتجاهاتها.
ثم إن إشعاعات المدرسة الشعرية الفرنسية قد سبقت هذا التاريخ بزمن، وكان كيليطو يعرف هذه الاتجاهات بحكم تدريسه في المدرسة الفرنسية وبحكم تخصصه في الأدب الفرنسي.
منقووول