الزمخشري والأدب ، الأدب و الغرابة
الزمخشري والأدب ، الأدب و الغرابة
من المعروف أن توليد نص أدبي وإبداعي خاضع للظروف الذاتية والموضوعية أو لدواع ميتافيزيقية كشياطين الشعراء الذين يلهمونهم بالشعر أو بناء على طلب ضمني توحي به الكتابة أومقدمة الكتاب. وقد كتب الزمخشري أدب المقامات تحت وازع حلم رآه في الليل يطلب منه أن يستعد للموت وأن يدع عنه الهزل ويعوضه بالجد. لذلك كتب مجموعة من المقامات التي لاتشبه مقامات الحريري أو الهمذاني إلا في أسلوب السجع واستعمال المحسنات البديعية. وتخضع المقامة حسب الكاتب للثوابت البنيوية التالية:
السند، و السفر، و نمطان إنسانيان متناقضان( الأديب والمكدي)،وحكاية مبنية على مايسميه أرسطو التعرف، وفن كتابي يشير إلى الأسلوب الرفيع سواء أكان مزيجا من الشعر والنثر أم مزيجا من الأنواع الأدبية ومن الجد والهزل أم يغلب عليه السجع والمحسنات.
وإذا كانت مقامات الحريري والهمذاني يغلب عليها الهزل واللهو بسبب الكدية والاستجداء الدنيوي، فإن مقامات الجرجاني هي مقامات دينية وعظية وإرشادية قائمة على الترغيب والترهيب ويغلب عليها الجد لارتباطها بماهو أخروي. كما يطغى عليها النقد الذاتي والعتاب النفسي وتأنيب الضمير. وهو في مقاماته لايوجه خطابه إلا لذاته لتقريعها وتوبيخها ولومها وإسداء النصائح لها من خلال صيغ الأمر والنهي والتحضيض والاستفهام والإطناب بالترادف والطباق . كما أن لغة المقامات تجمع بين معجمين: معجم الضلال ومعجم الهداية. فالدنيا امرأة فاتنة كثيرة الإغراء والافتتان، ولترويضها لابد من سلوك طريق الجد والاستعداد للموت. كما يتناول الزمخشري الأدب من وجهة نظر غريبة ، أي إنه يعرض أغراض الأدب وأدواته( النحو والعروض والقافية) من خلال نظرة واعظ متزهد. ويوجه الزمخشري كتابه لقارئ ضمني وسيط مدرس للأدب يقوم بتبليغ المقامات لأصحاب الفضل والديانة، أي إنه لن يمكن منها العامة وقليلي الدين. ولابد لهذا الكتاب من مؤلف يعطيه المشروعية ومصداقية التلقي والانتشار لأن النص المكتوب أرستقراطي، بينما النص الشفوي بلا اسم المؤلف يصبح ديمقراطيا في انتشاره.
السعيد موفقي