قصيدة رائعة ماتعة على لسان الحيوانات – حكاية الأسد و الأنعام
قصيدة رائعة ماتعة على لسان الحيوانات – حكاية الأسد و الأنعام
في روضة مريعة غناءِ = تختال بين خضرة وماء
كانت سوائمٌ من الأنعام = تعيش في سعد وفي وئام
فتلك ثيران، وذي خرفان = وذي حمير .. كلهم إخوانُ
العشب فيما بينهم مقسومُ = وليس في نظامهم مظلومُ
***
وكان في جوارهم هزبرُ = فيه جراءةٌ، وفيه مكرُ
لعابُه لذي اللحومِ سائلُ = لكن تنكرتْ له الوسائلُ
فهؤلاء القوم قد توحدوا = ومنْ يهددْهم هو المهدَّدُ
لكنْ إذا بعضهمُ قد انفردْ = فليس ينجو من براثن الأسدْ
***
وذات يوم أحدُ الثيران = من طيشه قام إلى الميدان
ينازل الليث بلا تدبّر = لما جنى في فعله من منكر
فعاد توا للثرى ضجيعا = يبث من أوداجه النجيعا
أما الهزبر فانبرى خطيبا = يكثر في مقاله النحيبا
يقول: يا قومِ أنا المظلومُ = فهل أنا في فعلتي ملومُ؟
وهذه الثيران في الإجرام = تاريخها أسود ذو قتام
وبغيتي استئصال هذي الطائفة = فإنها لشرعنا مخالفة
***
هنا انبرى مقدم الحمير = يصيح في نهيقه الجهير
مستنكرا منددا مسفّها = قد أصبح الحمار من أولي النهى !!
وقال في فور من الحماس = هذي يدي لبيعة الدّرباس
أطيعه في نهيه والأمر = وليس لي في عهده من غدر
فراق للهزبر ذي الأفكارُ = وقال: أنت أنت يا حمارُ
لك الرضا مني بلا تأخيرِ = دوما، وعاشت فطنة الحميرِ !
***
ثم أتى من وسط الصفوف = كأنه يساق للحتوف
كبش عليه ذلة الخرفان = مطأطئٌ، مرتعش الأركان
فلم يذرْ مقالة لقائل = وما استحق لومة من عاذل
وكان مما قال في الخطاب = مستلهما روائع الآداب:
يا سيدي رضاك منه نسعد = وفيه عزنا، وفيه السؤدد
إن شئت فاجعل بعضنا وزيرا = أو مستشارا بارعا قديرا
فنعم شغل المرء في السياسة = فإنها مجامع الكياسة
هناك صاح الليث في حبور: = مرحى لهذا المصقع الخطير
مني لك الرضا مدى الأزمان = يا كبشُ: عاشت عزة الخرفان !
***
وانفض هذا المجلس المشؤوم = والليث فيه غالب لئيم
وقام للثيران بالتقتيل = وصحبُهم أذل من ذليل
وبعد حينٍ قام للحمير = يجعلهم من أكله الأثير
ثم إلى الطائفة الذليلهْ = يروي بتقتيلهمُ غليله
حتى إذا لم يبق غيرُ واحدِ = قال له الليث بصوت بارد
(كيف ركبتمْ هذه الأهوالا؟) = فطأطأ المسكينُ ثم قالا:
(لا يحصل العدى على المطلوبِ = إلا بما فينا من العيوب)
بقلم : الشيخ اللغوي عصام البشير المراكشي .