موضوع: الإعجاز في قوله تعالى فصب عليهم ربك سوط عذاب الثلاثاء 15 سبتمبر - 21:06
الإعجاز في قوله تعالى فصب عليهم ربك سوط عذاب
الإعجاز في قوله تعالى فصب عليهم ربك سوط عذاب
الفاء في «فصبّ عليهم» فاء التعقيب. فالأقوام المتجبرة المذكورة في قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ» - تستحق نوعا من العذاب شنيعا فظيعا، لما عليها من الطغيان الجارف، والإكثارِ من الفساد. ولذلك جاءت فاء التعقيب في قوله: «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ». بل أكد سبحانه ذلك الاستحقاق بأنه راصد لهؤلاء الطغاة المتجبرين، ومسجل لإكثارهم من الفساد، فيقول: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ». ذلك ارتباط هاتين الآيتين بما قبلهما. فلما كان سبحانه أراد شيئا من التفظيع في عذاب هؤلاء الطغاة، جاء سبحانه بتعبير: «فصب عليهم ربك سوط عذاب»، وجاء بتاكيد: «إن ربك لبالمرصاد». ونحن الآن نتساءل: لماذا أسند سبحانه الصب إلى العذاب؟ ولماذا وصف العذاب بالسوط؟ فما السر البلاغي في هذا الإسناد وذلك الوصف؟ وما السر البلاغي في قوله: إن ربك لبالمرصاد؟ ولعلمائنا كلامٌ عن الوجه البلاغي طويلٌ في هذا التعبير، ونحن نسوق لك بعضا من كلامهم. يقول صاحب الإرشاد: «والتعبيرُ عن إنزالِه بالصبِّ للإيذانِ بكثرتِه واستمرارِه وتتابعِه فإنه عبارةٌ عن إراقةِ شيءٍ مائعٍ أو جارٍ مجراهُ في السيلانِ كالرملِ والحبوبِ، وإفراغِه بشدةٍ وكثرةٍ واستمرارٍ ونسبته إلى السوطِ مع أنه ليسَ من ذلكَ القبيلِ باعتبار تشبيهِه في نزولِه المتتابعِ المتداركِ على المضروبِ بقطراتِ الشيءِ المصبوبِ» ويقول صاحب الكشاف مبينا ما يفيده ذكر السوط: «وذكر السوط: إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعدّلهم في الآخرة، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به. وعن عمرو بن عبيد: كان الحسن إذا أتى على هذه الآية قال: إن عند الله أسواطاً كثيرة، فأخذهم بسوط منها». أما العلامة ابن عاشور ففصل القول في هذا الباب كأحسن ما يكون التفصيل. يقول فضيلته: «والصب حقيقته: إفراغ ما في الظرف، وهو هنا مُستَعار لحلول العذاب دفعة وإحاطته بهم كما يُصَبُّ الماء على المغتسل أو يصب المطر على الأرض، فوجه الشبه مركب من السرعة والكثرة ونظيره اسْتعارة الإفراغ في قوله تعالى: ﴿رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً﴾. ونظير الصب قولهم: شن عليهم الغارة. وكان العذاب الذي أصاب هؤلاء عذابا مُفاجِئا قاضيا. فأما عاد فرأوا عارض الريح فحسبوه عارض مطر فما لبثوا حتى أطارتهم الريح كل مَطِير. وأما ثمود أخذتهم الصيحة. وأما فرعون فحسبوا البحر منحسِرا فما راعهم إلا وقد أحاط بهم. والسوط: آلة ضرب تتخذ من جلود مضفورة تضرب بها الخيل للتأديب ولتحملها على المزيد في الجري. وعن الفراء أن كلمة سوط عذاب يقولها العرب لكل عذاب يدخل فيه السوط (أي يقع بالسوط) ، يريد أن حقيقتها كذلك ولا يريد أنها في هذه الآية كذلك. وإضافة سوط إلى عذاب من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي صب عليهم عذابا سَوْطا، أي كالسوط في سرعة الإصابة فهو تشبيه بليغ. وجملة: إن ربك لبالمرصاد تذييل وتعليل لإصابتهم بسوط عذاب إذا قُدِّر جواب القسَم محذوفا. ويجوز أن تكون جواب القسَم كما تقدم آنفا. فعلى كون الجملة تذييلا تكون تعليلا لجملة فصب عليهم ربك سوط عذاب تثبيتا للنبي صلى الله عليه وسلم بأن اللَّه ينصر رسله، وتصريحا للمعاندين بما عرض لهم به من توقع معاملته إياهم بمثل ما عامل به المكذبين الأولين. أي أن اللَّه بالمرصاد لكل طاغٍ مُفسِد. وعلى كونها جواب القسَم تكون كناية عن تسليط العذاب على المشركين إذ لا يراد من الرَّصْدِ إلا دفع الْمُعْتَدِي من عدو ونحوه، وهو المقسم عليه وما قبله اعْتِرَاضًا تفنُّنًا في نظم الكلام إذ قُدِّمَ على المقصود بالقسَم ما هو استدلال عليه وتنظير بما سبق من عقاب أمثالهم من الأمم من قوله: ألم تر كيف فعل ربك بعاد إلخ.. وهو أسلوب من أساليب الخطابة إذ يجعل البيان والتنظير بمنزلة المقدمة ويجعل الغرض المقصود بمنزلة النتيجة والعلة إذا كان الكلام صالحا للاعتبارين مع قصد الاهتمام بالمقدم والمبادرة به. والعدول عن ضمير المتكلم أو اسم الجلالة إلى ربك في قوله: فصب عليهم ربك سوط عذاب وقوله: إن ربك لبالمرصاد إِيمَاءٌ إلى أن فاعل ذلك ربه الذي شأنه أن ينتصر له، فهو مؤمل بأن يعذب الذين كذبوه انتصارا له انتصار الْمَوْلَى لوَلِيِّهِ. والمرصاد: المكان الذي يترقب فيه الرَّصَدُ، أي الجماعة المراقبون شيئا، وصيغة مفعال تأتي للمكان وللزمان كما تأتي للآلة، فمعنى الآلة هنا غير محتمل، فهو هنا إما للزمان أو المكان إذ الرصد الترقب. وتعريف «المرصاد» تعريف الجنس وهو يفيد عموم المتعلِّق، أي بالمرصاد لكل فاعل، فهو تمثيل لعموم علم الله تعالى بما يكون من أعمال العباد وحركاتهم، بحال اطلاع الرصد على تحركات العدو والمغيرين، وهذا المثل كناية عن مجازاة كل عامل بما عمله وما يعمله إذ لا يقصد الرصد إلا للجزاء على العدوان، وفي ما يفيده من التعليل إيماء إلى أن الله لم يظلمهم فيما أصابهم به» وبعد، فقد سقنا لك ما قاله العلامة ابن عاشور -مع طوله- لا لشيء إلا لنعرف الدقة البالغة في التعبير القرآني، والعناية الفائقة في كشفها من علمائنا. ومن خلال سرده ذلك رأينا التنزيل قد أحسن استعمال الاستعارة والكناية كأحسن ما يكون الاستعمال في إبراز المعاني الجليلة، واتساق هذه المعاني بالأغراض التي يساق لها الكلام. أضف إلى ذلك أن في كلتا الاستعارة والكناية سحرا بيانيا، حيث أثار قوله تعالى: «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ» في نفوس السامع رهبةً لا قبل لها، لمَّا يتصور فجأةَ جمِّ العذاب بقوله: «فصب»، وفظاعته بقوله: «سوط». زد على ذلك أنه الآن يشعر بأن الرهبة قد بلغت منتهاها حيث يقول سبحانه فيما بعد: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ». وإذا كان هذا ما عليه السامع من الرهبة والقلق والعجز بهذا السحر البياني، أتحسب أنه سيفرغ وقتا للتفكير في محاكاة التنزيل؟ هيهات! فيا له من أناقة في التعبير! ويا له من قصد في اللفظ ووفاء بحق المعنى! ويا له من سحر بياني معجز!
منقوول للفائدة
توقيع : بوح القلم
الطريق نحو القمة
عضو vip
معلومات إضافية
احترامه لقوانين المنتدى :
الدولة :
الجنس :
عدد المساهمات : 1577
نقاط العضو : 11
تاريخ التسجيل : 10/09/2015
العمر : 25
موضوع: رد: الإعجاز في قوله تعالى فصب عليهم ربك سوط عذاب السبت 19 سبتمبر - 19:26
سلمت أناملك/ي الذهبية عالطرح الرائع الذي أنار صفحات منتدى شعاع الإيمان بكل ماهو جديد لكِ مني أرق وأجمل التحايا على هذا التألق والأبداع والذي هو حليفك/ي دوما" أن شاء الله