أمانة الكلمة وخطورة الأفكار - هل ندرك قيمة الأفكار ؟!
أمانة الكلمة وخطورة الأفكار - هل ندرك قيمة الأفكار ؟!
إذا آمنا بضرورة وجود المخالف أو \" الآخر \" ، بقيّ أن نؤمن بأمانة ومسؤولة الكلمة ، لأننا ندرك مدى خطورة الأفكار على القراء .
إن الإنسان - مهما كان اتجاهه - يحذر جدا من الطعام المسمم أوالفاسد ، فلا يأكله ولا يقدمه لأفراد أسرته ، إيمانا منه بأن الطعام الفاسد يسمم الجسد ويسري سمه في الدم ويهلك الإنسان .
وإذا كان الطعام الفاسد أو الرديئ يسمم الجسم ، فإن الأفكار الفاسدة أو الرديئة تسمم العقول وتقتل العلوم ، وأعتقد أن تسمم العقول أخطر من تسمم الأجساد ، والإنسان لا يكون إنسان بمجرد كونه يمتلك جسدا !
ومن الأمور المضحكة - حقا - أنني أعلم أن هناك أفرادا من الكتّاب في الساحات العربية من الذين يدمنون على الكتابة ، وإنتاجهم الكمي كبير جدا ، المضحك في الموضوع ، أن أحدهم أخبرني أنه مرة كتب موضوعا \" ما \" وهو غير معتقد بما كتب بل غير مبالي ، وإنما الذي دفعه إلى الكتابة مجرد شهية الإنتاج الكميّ الذي أدمن عليه ، ومع يقينه - أي هذا الكاتب - بتفاهة ما كتب ، إذ به يصدم إلى درجة الإغراق في الضحك ، بأن عشرات القراء أعجبوا بما كتب بل بعضهم آمن وأعتقد بصحة تلك الأفكار !!
لقد قالها لي صراحة : ما أتفه القراء !
وقلتها أنا له بصراحة : ما أشد إنفلات المسؤولية عندك !
كم من فكرة كتبت هنا - في الساحات - وتلقفها القراء بالقبول ، وطبعت وصورت آلاف المرات ، إن بعض كتاب الساحات العربية يحضون باهتمام منقطع النظير من قبل القراء إلى حجم يفوق بعض كتّاب الزوايا في الجرائد الرسمية ، بل بعضهم - كما علمت - يتابع باهتمام من قبل مسؤولين كبار هنا وهناك !
وبعد كل ذلك - يا أخي الغالي - ألا يتوجب علينا أن نحترم الكلمة ، أن نحترم الحروف ، نحترم القراء ، نحترم أنفسنا ؟
يقول أحد المفكرين الغربيين : إن إهمال الأفكارمن قبل الذين ينبغي أن يعتنوا بها أي من قبل من تدربوا على تبني نظرة ناقدة للأفكار عموما ، قد يؤدي أحيانا إلى اكتسابها قوة كاسحة لا يمكن مقاومتها أو كبحها ، تفرض على أعداد هائلة من البشر!
بل قد قالها الشاعر الألماني (هاينة ) قبل أكثر من مئة عام محذرا من مغبة الاستخفاف بسيادة الأفكار وسلطتها ... فقال :
( إن الأفكار الفلسفية التي يطرحها أستاذ من مكتبه الهادئ ، قادرة على إبادة حضارة بكاملها ) !
إن ما يجري في الساحات - وغيرها - يعد صراعا فكريا ، وسوقا رائجة للأفكار ، ومن المفترض على كل كاتب أن يستشعر بمعظم المسؤولية الملقاة عليه ، ولذلك يتوجب عليه أن يراقب الله في كل ما يكتب ، وليعلم أن ما سطره بيده سيسجل في صحائف أعماله عند الله ، وليقوي عنده الرقابة الذاتية ، وليصنع الضمير ، وليراقب أفكاره ، فهناك من الصغار والمراهقين والكبار من قد ينجرفون لبعض ما يكتب وهو الذي سيتحمل أمام الله مسؤولية كتابته وآثارها السيئة .
فهل ندرك قيمة الأفكار ؟!
بقلم : صخرة الخلاص // صيد الفوائد .