كانت ليلة شديدة الّظلام !
كانت ليلة شديدة الّظلام !
كانت ليلة شديدة الّظلام !
جعلت أمشي وحيدا لاأسمع الا صوت أقدامي تشق طريقها !
أخذت أتلفت يمنة ويسرة وأنا بين الأبنية الضخمة والعمارات الشاهقة.
صرت أتأمّل خلقتي النحيلة كيف لاتسمن ولاتغني من جوع وسط هذه المشاهد ؟!
ثم حلّقت أكثر وأكثر!!....فبدت لي تلك النّجوم لامعة وأنا في دياجير الّظلام.
أنا شغوف جدا بالنّجوم...أحبّها كثيرا ،لا أستطيع صرف نظري عنها الا بصعوبة...الأمر
الذي قد يصيب بعض من يرافقني بالملل أحيانا !...ولكن هكذا أنا !!
وممّا زاد حبّي أكثر وأكثر ما علمته أنّ حبيبي صلّى اللّه عليه وسلم كان يديم النظر في السماء.
حسنا الان أستطيع القول أنني ريشة في مهبّ الريح اذ لانسبة أصلا بين جسمي وبين
هذه السماء الضخمة بأبراجها ونجومها
كيف وقد عجزت عن مقارنة بعض ممّا صنعه الانسان من منازل؟!.
في هذه اللحظة- وقد أخذت رياح الليل المنعشة تداعبني بلطف-أدركت أني بل وأنت
أيضا ياصاحبي بل وكل انسان صغير صغير.
مهما علا قدرك،مهما كثر مالك،مهما زادت معارفك،مهما كثر أصدقاؤك
مهما....ومهما...فأنت صغير جدا.
قل لي-ولكن اصدقني القول-ماهي نسبتك في هذا الكون الى سائر المخلوقات ؟!
أتراها شيئا مذكورا؟!،أين أنت من البحار أو المحيطات أو القمر أو الشمس أو النجوم
أو المجرات؟!.
فاذا أجبت عما سبق-وقد اتفقنا على الصدق ياصاحبي-فاعلم أنه مما يزيد القلب
حسرة وألما أن هذا المخلوق الضعيف=انسان=أنا=أنت
لايكف عن محاربة رب هذه المخلوقات كلها ماعلمنا منها وما لم نعلم.
يحاربه بأنواع المعاصي والذنوب!،ويبارزه باستحلال ماحرم دون أن يتوب!،تارة
يقول-من جهله-: الرب رب قلوب!،وتارة يركب الهوى فبئس المركوب!!.
اذا ستره الله مرة وقد كان على أمر قبيح،فرح ولم يتعظ!،وان أعطاه مالا وصحة على
ذنوبه قال: لو كان غاضبا علي ماأعطاني!،ولم يدر المسكين أنه استدراج!.
أرأيت لو أمر الله بحرا من تلك البحار أن يخرج عن حيزه فيغرق؟فأي عاصم لنا
حينذاك؟وقد فعلربك من قبل فأهلك قوم نوح
يوم لاعاصم من أمر الله الا من رحم!،فما يؤمننا أن لايؤمر البحر ثانية؟! وليس
تسونامي عنا ببعيد!.
أرأيت لو أمر تلك الريح المسخرة-التي كانت لطيفة وهي تداعبني وقت السحر كما
قصصت عليك !
أرأيت لو أمرها فصارت صرصرا عاتية؟فأي مخلّص لنا وقتها؟وقد فعل ربك من قبل
فأهلك قوم عاد وقد كانوا ينحتون من الجبال بيوتا فارهين!!.
أرأيت لو سلّط علينا نجما من نجومه فأحرق،وقد قال عنها ربك:" وجعلناها رجوما للشياطين"!.
قال تعالى:"أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون،أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهو يلعبون،أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون،أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لايسمعون" سورة الأعراف.
اخوتي:ان أخشى ماأخشاه،هو الطبع على القلوب،فانه عقوبة وكفى به عقوبة،فهو بمنزلة
الغرق بالطوفان،أو الهلاك بريح قوم عاد،وغير ذلك مما يدور في خلدك أنه عقوبة قاسية!.
وأنت اذا تأملت سياق الايات الكريمة،تجد أن الله سبحانه،قد ربط عمل الذنوب بالتعرض الى
الطبع على القلب،فهذا الطبع-والعياذ بالله-هو نتيجة ادمان المعاصي والذنوب.
والخطر الأكبر:هو أن من طبع على قلبه فهو لايسمع بعد ذلك موعظة ولاتذكيرا ولانصحا،كما ذكر الله عز وجل في الايات.
أما الطبع على القلب-عياذا بالله من ذلك-فهو أن يغلف القلب بطبقة هي الران،كما قال سبحانه:"كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون" سورة المطففين.
هذه الطبقة تحجز كل خير عن هذا القلب،وتثقله عن فعل الطاعات،والقيام بالواجبات المباركات
التي تصل العبد برب الأرض والسماوات،ثم انها-هذه الطبقة-تسهل للانسان سبيل كل معصية
حتى تهوي به في خندق الكبائر!،وجب الفواحش!،وتزين له كل شهوة ولو كانت قذرة!،وتصده
عن التوبة بل حتى التفكير فيها،أو الاصلاح ولو بركعة!،وتغره بالدنيا فينشغل بها،أما الاخرة فقد نسيها!!.
قال سيدي وسيدك وسيد العالمين صلى الله عليه وسلم:" ان العبد اذا أخطأ خطيئة نكتت في
قلبه نكتة سوداء،فاذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه-أي نظف ومحي أثر الخطيئة-،وان عاد
زيد فيها حتى تعلو قلبه،وهو الران الذي ذكر الله:كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون"
سورة المطففين" رواه الترمذي.
اخوتي:ان باب التوبة مفتوح،فمالنا عنه معرضين؟!.قال تعالى:"قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم" سورة الزمر.
يااااااااااه!،والله ماأجمل هذا الرب!-سبحانه وتعالى-،كم عصيناه فأمهلنا وهو علينا قادر!.
وكم خنا عهده في السر والعلن،فسترنا وهو على هتك الستر ظاهر!.
لقد أمهلنا حتى هذه اللحظة التى نطالع فيها هذه السطور،فهل من تائب فيتوب الله عليه!.
منقووول