العوامل المؤثرة في تكوين الاتجاهات الجديدة
لنقد القصة والرواية
(02)
تطور العلوم والمنهاجيات المعرفية
:
ثمة علاقة ظاهرة للعلوم وتكنولوجيا المعلومات بالأدب، وقد اخترت جانبين لهذه الظاهرة، الأولى هي تأثير العلوم والعلم، والثانية هي تأثير تكنولوجيا المعلومات:
3-1- تأثير العلوم والعلم:
عولج تأثير العلوم والعلم على الأدب والنقد في عدة مصنفات ترجمت إلى العربية خلال العقدين الأخيرين، مثل: «على مشارف القرن الواحد والعشرين: الثورة التكنولوجية والأدب» (بالروسية 1984) لفالنتينا ايفاشيفا(1)، بترجمة فخري لبيب (مصر)، و«الفن في عصر العلم» (بالروسية 1978) لأرسيني غوليكا(2)، بترجمة جابر أبي جابر ومراجعة شوكت يوسف (سورية)، و«النقد الأدبي الحديث بين الأسطورة والعلم» (1988) لعدة مؤلفين(3)، بترجمة محي الدين صبحي (سورية).
وكانت هذه المعالجات عامة لمفاهيم التقدم والنمذجة والجمالية والأخلاق في استخدام العلوم والعلم في الأدب، ولتقصي آفاق العلم في الفن والأدب، فدرس غوليكا، على سبيل المثال، التقدم في الفن وجمالية الكشف العلمي وموقف الفن من العلم والأخلاق، ووصف المؤلف عمله بأنه «دراسة معضلة وشاملة، لتفاعل الفن مع التقدم العاصف للمعرفة العلمية، إذ يتميز الفن بقدرته على استباق الزمن في تصويره للواقع، وهذه الصفة بارومتر المناخ الروحي. فالفنان لا يرى فحسب، بل ويتنبأ، وحين تكون ظواهر الحياة في بداية تشكلها، يتفاعل حدس الفنان مع النتائج المحتملة. إن الفن في عصر الثورة العلمية التقنية هو فن القرن العشرين الذين يشارف على نهايته، وقد حان الوقت لاستخلاص بعض النتائج التمهيدية في ضوء سيرة الفن السالفة»(4).
ولا يختلف اثنان على التأثير العميق للعلم على الأدب، كأن تكون فكرة الفن أسلوباً في المعرفة، أو أن تكون الرواية بحثاً كما عند ميشيل بوتور وروائيي الرواية الجديدة، أو أن تكون الرواية سجلاً للواقع والمجتمع كما في الرواية التاريخية والإنسيابية، أو أن تكون الرواية تفسيراً للسلوك الإنساني والنفسي، أو أن تكون الرواية أو القصة وثيقة تاريخية، أو أن تصاغ الرواية أو القصة وفق النظرة النسبية، وقد مارسها عدد من روائيي العصر ممن كان لهم تأثيرهم البالغ على الرواية العربية ونقدها، وأخص بالذكر وليام فولكنر ولورنس داريل، ولا سيما روايتيهما «الصخب والعنف The Sound and the Fury» (ترجمها جبرا إبراهيم جبرا إلى العربية عام1961)، و«رباعية الإسكندرية Al-Exandrian Quartrian» (ترجمت الجزأين الأول والثاني ـ سلمى الخضراء الجيوسي عام 1962، ثم ظهرت الأجزاء الأربعة عام 1993 من قبل مترجم آخر).
ويؤكد عدد من نقاد داريل، على سبيل المثال، أن اكتمال فهمنا لمؤلف «رباعية الإسكندرية» غير ميسور ما لم نحط علماً بنظرية النسبية التي يدعو إليها، ويطبقها في أدبه. ويستمد داريل هذه النظرية من نظريات اينشتاين في الرياضة. ويشرح لنا هذا الكاتب نظريته الأدبية في النسبية التي يسميها «استمرار الزمان والمكان». ويضيف رمسيس عوض في كتابه «دراسات تمهيدية في الرواية الإنجليزية المعاصرة» (1971)، أن ديرل دافع عن نفسه بقوله: إنه أراد بكل بساطة أن يقوم بأداء بعض الألعاب الشعرية على فكرة نسبية الزمان والمكان بوصفها إحدى الأفكار الكونية الهامة في العصر الحديث. ويقول ديرل: إنه يعبر في رباعيته عن هذه النسبية، وإنه يتوسل إلى ذلك بالشخصيات، بدلاً من الأرقام التي يستخدمها علماء الرياضة(5).
3-2- تأثير تكنولوجيا المعلومات:
أوردت فالنتينا ايفاشيفا في كتابها المذكور شهادات عدد من الأدباء عن تأثير التكنولوجيا على الأدب، ففي نهايات الستينيات، عبر البرتو مورافيا عن حنقه من أن الأدب سيصبح أكثر فأكثر وثيقة أو سجلاً، وأن الرواية الخيالية ستختفي تدريجياً، وأن العنصر الروائي الخيالي سيجتث، أو على الأقل، سيختزل لحده الأدنى، ولخصت الباحثة السوفييتية أثر التكنولوجيا الحديثة على الأدب في ثلاثة توجهات رئيسة: توجه الأدب والدراما نحو الوثائقية، ورواج روايات الخيال العلمي، وميل الأدب إلى الفلسفة(6).
والتفت النقاد إلى تعاظم هذا الأثر على الأدب، فترجم أحمد المديني (المغرب) بحث كربال سبينغ «التكنولوجيا والرواية» (الثقافة الأجنبية (1984). غير أن النقاش الأهم لهذا الأثر ومداه في الأدب العربي الحديث، قام به نبيل علي (مصر) في مقالته «ذات صنع الله إبراهيم من منظور معلوماتي» (إبداع 1992)، وكتابه «العرب وعصر المعلومات» (1994)، فقد خص هذه القضية بفصل مطول في كتابه، واستنتج فيه الخلاصات التالية:
- بروز الوثائقية كإحدى ظواهر أثر التكنولوجيا الحديثة على الأدب.
- فقر الأدب العربي بأدب الخيال العلمي، لأن معظم كتابه من العلماء خاصة، ويفتقدهم الأدب العربي الحديث.
- الكتابة الروائية في نظر أهل الذكاء الاصطناعي نوع من توليد النصوص text Generation، وهم قانعون، على الأقل حالياً ـ بأن تكون حدود مغامراتهم في مجال الإنتاج، لا الابتكار، ولكن لا يفوتهم أن يذكرونا بأن معظم الروايات الاستهلاكية، بل ومنها تلك الأكثر رواجاً، تندرج تحت فصيلة الإنتاج، لذا فلا يقلل من طموح الآلة في رأيهم أن تحذو حذوها.
- إمكانية إنتاج قصص عبر النظم الآلية: صانع الحبكة Plot Maker، صانع عالم الرواية World Maker، محاكي الأحداث Events Simulator، ناظم السرد Narrator، مولد النص Text Generator.
- تصاعد الاتجاه نحو التركيز على دراسة «أدبية» النصوص من داخلها، وتشترك نظرية الأدب والذكاء الاصطناعي في العديد من الأسئلة المتعلقة بطبيعة المعنى والفهم(7).
4- وسائل الاتصال وثورة المعلومات:
4-1 وسائل الاتصال والرواية الاستهلاكية:
إن التطور الهائل في وسائل الاتصال وثورة المعلومات قد أثر في الإبداع العربي برمته، ولا سيما الرواية ونقدها، فطالت التبدلات العميقة التعبير الروائي والقصصي ونقدهما، وهي تبدلات عنيفة لا سبيل إلى الفكاك منها، لأنها مست الثقافة العالمية، وآدابها في الجوهر وفي الشكل. والتمس لملاحظة مثل هذه التبدلات مثالين هما الرواية الاستهلاكية للتعرف إلى تأثير وسائل الاتصال، واللغة العربية للتعرف إلى تأثير ثورة المعلومات.
لم تصل موجة الروايات الاستهلاكية إلى السوق الأدبية العربية إلا متأخرة على استحياء وظهرت بوادرها في الثمانينيات في الكتابة لوسائل الاتصال بالجماهير كالصحافة والإذاعة والتلفاز والسينما، ويدل هذا التوصيف الواقعي والتاريخي على أن الكتابة الروائية العربية ما تزال بعيدة عن ضغوط السوق التجارية، أن ثمة شروطاً يفرضها الآن منتج البرامج والأشرطة التلفزيونية والسينمائية أو ممول المسرح أو ناشر الجريدة أو المجلة لقبول إعادة إنتاج الأدب عبر هذه الوسائل وقنوات الاتصال، ومما يؤيد مثل هذا الرأي أن بعضاً من أهم الروائيين العرب ما زالوا بعيدين عن قوانين السوق التجارية، فلم تتأثر جماليات الرواية عندهم بمعطيات التغيير الثقافي الكلي كما هو الحال في أوروبا وأمريكا، ونذكر منهم عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا وغالب هلسا وادوار الخراط وعبد السلام العجيلي والياس الديري ومحمد الصالح الجابري وعبد الرحمن مجيد الربيعي ونبيل سليمان، وإنما بدأت تداخل أساليبهم أنواع من الاهتمام بتأثير وسائل الاتصال.
ويقودنا مثل هذا الاستنتاج إلى أن إسهام الروائي العربي أكبر في تحديد جماليات روايته، وأن هذا الإسهام أكبر بعد ذلك في تثمير أدوار الأديب في عمليات التفكير الثقافي العاصفة في حياتنا. على أننا سنذكر إشارات أخرى حول موجة الرواية الاستهلاكية بالنظر إلى تأثير التغير الثقافي في صياغة معايير الرواية وتوجيه جمالياتها ونقدها في الوقت نفسه من أجل قرائن أكثر مع جماليات الرواية العربية وانبثاقها من عمليات التغير الثقافي الواسعة والعميقة منذ الخمسينيات، وما يستدعيه من حساسية نقدية جديدة.
كيف تنتشر الرواية الاستهلاكية؟ وما هي محاولات ترويجها باللغة العربية؟.
لاحظنا أن الرواية الاستهلاكية العالمية، وهذه هي حدود نشأتها، قد ترافقت مع نمو الحس الاستهلاكي فيما سمي ملء أوقات الفراغ بادئ الأمر، والاندراج في التسلية التي شرع المشتغلون بعمليات الاتصال يحسبون لها حساباً في برامجهم لكسب الجمهور، ثم شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى حمى محاولات كسب الجمهور عن طريق وسائل الاتصال، ولاسيما فنون الصوت والصورة المكتشفة آنذاك من جهة، وفنون الصحافة الراسخة من جهة أخرى، فتطورت الكتابة الروائية في منحى الاستهلاك الذي يراد منه التسلية وتزجية أوقات الفراغ بالدرجة الأولى إلى إدخال الرواية والقصص بشكل عام في دائرة تزييف الوعي، أي تفريغ هذا الجنس الأدبي من الفكر والتاريخ والمجتمع خلل صياغة كتابات روائية وقصصية خاضعة لتصنيفات موصوفة مسبقاً لا تبتعد عن إدهاش السرد والمقدرة الحكائية الجذابة التي يقدم من خلالهما أو بوساطتهما حبكات مدروسة بعناية بما يجعلها نفورة من الهموم أو الاهتمامات الجدية، وقد تصدر هذا التصنيف مجموعة من التوابل أولها التركيز على العواطف المنفصلة غالباً عن جذرها الاجتماعي والنفسي، فيجري الولع بالأفعال العاطفية وردودها ضمن آليات رتيبة متوقعة، مثلما يحرص كّتاب هذه القصص والروايات على أن تدور الأحداث والوقائع، إن وجدت وقائع، لأن الوقائع مما ينتمي إلى التاريخ، في بيئات ثرية لا يعاني أفرادها الفاقة أو البؤس أو الحرمان، اللهم إلا الحرمان من فقدان التوافق في الحب.
وثمة خصائص أخرى نذكر منها تجميل الواقع من أجل قبوله، ووضع المتلقي في بهرج التعلق بنمط الحياة الذي تعرضه هذه الكتابات الروائية والقصصية، وغالباً ما يسمون هذا التعليق بأنه أحلام، فالمرء قادر بتقديرهم، على تغيير وضعه، واللحاق بهذا النمط، والذين تابعوا الأفلام «الهوليودية» في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات يدركون ذلك الحرص على ترويج هذه الخصائص ولوازمها مثل الرجال الوسيمين الجذابين، والنساء الساحرات، والطبيعة الخلابة، والطابع السياحي الجميل للأماكن الباذخة. والشعور بالوفرة إلى حد التخمة غالباً، والحرية المطلقة بعيداً عن قيود المجتمع والأسرة والدين والالتزامات الأخرى.. الخ، ولقد عاشت السينما المصرية على تقليد هذه الأفلام إلى وقت قريب اقتباساً أو تعريباً بشكل من الأشكال، ومع طغيان الأنماط الاستهلاكية على الحياة العربية مع مطلع السبعينيات بدأ تيار الرواية الاستهلاكية العربية يتشكل إثر هجمة التلفزيون على مختلف أجهزة الثقافة والإعلام واكتساحه لفنون الاتصال الأخرى، ولا سيما السينما والمسرح.
ثم تفاقمت هيمنة التلفزيون مع استتباب التبعية للغرب الذي بات متحكماً بالخبر والصورة معاً، ومحتكراً لصناعتهما عبر الشركات الاحتكارية الكبرى المشهورة إلى جانب وكالات الأنباء المصورة وسواها. ومن أمثلة المسلسلات التلفزيونية الرائجة والمنتشرة في الوطن العربي كله «دالاس» و«داينتسي» و«سفينة الحب» و«سانتينال»، بالإضافة إلى مئات البرامج والمسلسلات المأخوذة عن الروايات المعروفة باسم «الأكثر رواجاً» أو «بست سيللر Best Seller».
بدأ إقبال الروائيين والقصاصين العرب على الكتابة لوسائل الاتصال بالجماهير على استحياء غير أن الهبّة النفطية، وانتشار محاولات توظيف رأس المال العربي ولا سيما النفطي في مراكز البحوث والمشروعات الإعلامية، ودخول مخاطبة الإنسان العربي، ولا سيما بعض الجماهير الخاصة مثل النساء والأطفال والفتيان في برامج الدوائر الإعلامية الأجنبية، قد جعل غالبية الروائيين والقصاصين في تطلع مستمر لتوظيف إنتاجهم في آلة التلفزيون وبقية وسائل الاتصال الأخرى، وفي سورية، على سبيل المثال، يندر أن نجد روائياً أو قاصاً معتبراً لم يكتب المسلسلات التلفزيونية، أو أن يخضع فنه الروائي والقصصي لحاجات الوسائل الإعلامية مثل هاني الراهب وعلي عقلة عرسان وخيري الذهبي وعبد الكريم ناصيف ودياب عيد وحنا مينة وألفت الإدلبي وناديا خوست وعبد النبي حجازي وغيرهم، بل أننا، وضمن دراسة متقصية، نلمس حساب هذه الوسائل الاتصالية كالتلفزيون والسينما في تفكير الروائي والقاص الأدبي ذاته، فتأثرات جماليات الرواية والقصة بشروط هذه الوسائل، أي أن الكاتب صار معنياً بقابليات ظهور روايته أو قصته في مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي أو مسلسل إذاعي قبل مراعاته لصدورها في كتاب!(8)
ومن المفيد أن نشير إلى روائيين وقصاصين رائجين من كتاب الرواية الاستهلاكية في سورية أيضاً، نذكر محمد حسين شرف ووفاء حمارنة. وقد يستغرب المرء غزارة إنتاج هذين الكاتبين وسرعة انتشار رواياتهم وقصصهم حتى إن بعض رواياتهم طبعت طبعتين أو ثلاث طبعات خلال عشر سنوات، أما الروايات والقصص التي لم يعد طبعها فقد نفذت طبعتها خلال أقل من عامين، ولو استعرضنا عنوانات رواياتهما وقصصهما وموضوعاتها، لوجدنا إلحاحاً على تعابير الحب والمرأة والعبارات الوجدانية الموحية أو الغامضة من جهة، وموضوعات الميوعة العاطفية وطوابع المشجاة (الميلودراما) من جهة أخرى. فقد نشر محمد حسين شرف خلال السبعينيات والثمانينيات أكثر من عشر روايات نذكر منها: «قمر الغرباء» (1970). و«فينوس» (1973)، و«همس الغروب» (1976)، و«ملح على جرح» (1978)، و«دستور الحب» (1980)، و«الغزل عطر النساء» (1985)، و«هؤلاء الأوغاد» (1986)، و«تنهدات العذارى» (1987)، و«لابد من المرأة» (1991).
أما وفاء حمارنة فقد نشرت خلال الثمانينيات أكثر من خمس روايات نذكر منها: «خواطر عن الحب والحياة» و«مملكة الحب الدامية» و«موعد مع السعادة» و«صراع مع النساء» (ولم نذكر تاريخ الطبعات، لأنه غالباً غير مذكور).
ويبدو أن موجة الرواية الاستهلاكية تحتاج إلى تعديل في خطط النشر، تأليفاً وتعريباً وطباعة وتنويعاً، وهذا ما يفسر تعدد السلاسل والحرص على ابتكار أساليب جديدة للمخاطبة لتحقق أهدافها كاملة، لأن القيمين عليها غالباً ما يجرون دراسات وبحوثاً مطولة تسبق إصدارها، أو في أثناء إصدارها، فقد أجريت استطلاعات رأي بين الشباب العربي، ولا سيما الفتيات والنساء لمعرفة مدى تقبل هذا النوع من الرواية. ولزيادة التأثير، فقد رأى القيمون على «سلسلة عبير» إصدار سلسلة «روايات عبير العربية»، فطلب إلى العديد من الكتاب والروائيين العرب إنتاج روايات تناسب هذه الموضوعات، فبادر عدد منهم إلى الكتابة بأسمائهم الصريحة أو المستعارة، وقد صدرت بعض الروايات، ولكن المشروع أخفق، لأن قارئات «عبير» و«قلوب عبير» وقراءها مشدودون إلى أرض الأحلام أو الأوهام، لا فرق، وليس إلى واقعهم الذي يدركون أنه لا ينبت الأحلام، ولا تكتمل فيه صياغة الأوهام، فالتفتوا عن المخاطبة العربية مكتفين بالترجمة، أو الاقتباس، أو الاختصار أو الهزال، لأنها الأقرب للرواج والربح السريع.
غير أن نمط الرواية الاستهلاكية، وهو لاشك، إفراز لنمط الحياة الاستهلاكية وأساسها تأثير وسائل الاتصال، قد انتشر في الحياة الثقافية العربية بأشكال متعددة. كان الروائي أو القاص العربي معزولاً عن وسائل الاتصال بالجماهير، أو «هوجة» مخاطبة الجماهير مباشرة، لأن وسائل الاتصال بالجماهير نفسها لم تكن لها مثل هذه السلطة المتفاقمة التي نراها عليها اليوم، ولأن الجماهير نفسها لم تكن موضع الحفاوة والتقدير والاهتمام التي يجري الحرص عليها اليوم، فأخلص الروائي أو القاص العربي من قبل لفنّه، واستغرق في صومعة أفكاره، ولعل تأمل رسائل توفيق الحكيم إلى زوج ابنه حتى مطلع الثمانينات تكشف عن العوز الذي واجهه مفكر وأديب وروائي ومسرحي عربي كبير(9). وثمة أنموذج آخر أكثر سطوعاً يتبدى في مسيرة نجيب محفوظ، فهو كتب حتى أواخر الستينيات الرواية بعيداً عن حسابات الإيصال الإعلامي، وغّلب في أدبه حاجات الفنّ والفكر على شهوة الانتشار، وإن خصّ السينما بوصفها فناً رائجاً بقصص كثيرة مكتوبة خصيصاً لهذا الفن الجماهيري الواسع الانتشار، فلم يثنه عمله أو كتابته لوسائل الاتصال عن سعيه الأصيل لإنجاز فنه الروائي العظيم، فميّز بين الرواية ومثل هذه الكتابة. وثمة كثيرون، كما أشرت، لا يعرفون أن نجيب محفوظ كتب عشرات الأفلام أو الأعمال الإذاعية لهذه القنوات مباشرة، وما تزال هذه الأعمال مخصوصة بما كتبت له، ولم تظهر نصوصها في كتب.
وظل هذا الوضع سارياً حتى مطلع السبعينيات حين صارت بعض روايات نجيب محفوظ، بتأثير شهوة الانتشار وهيمنة الإعلام، قابلة بيسر للإندراج في طبيعة وسائل الاتصال بالجماهير، فخالط روايات كثيرة له شيء من لوازم الرواية الاستهلاكية، كغلبة الإخبار على السرد، أو العناية برسم الشخصيات على حساب الوصف أو التأملات الفكرية، أو صوغ الرواية برمتها بأسلوب «السيناريو»، أو اختزال الوقائع إلى تركيب مشهدية ما.. الخ، وهذا واضح في روايات كثيرة له مثل «حب تحت المطر» و«يوم قتل الزعيم» و«الحرافيش».
ونستطيع أن نجد روائيين وروايات عربية كثيرة، قد تأثرت بنيوياً وسردياً وهيكلياً بتقنيات الإيصال وشهوة مخاطبة أوسع الجماهير بدغدغة مشاعرهم، وطلب التواصل العاطفي أو الاندماجي في تلقيهم. وكان برع في ذلك من قبل روائيون كثر أمثال إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي اللذين راجت أعمالهما منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية الستينيات على وجه الخصوص. لقد خاطبت رواياتهما العواطف والمشاعر إلى أبعد ما تفعله الاتجاهات الرومانسية الهادئة أو المغالية، وإلى أبعد ما تعتمله اتجاهات المشجاة (الميلودراما) المتطرفة، ونادراً ما عبرت هذه الأعمال عن الوجدان العام أو الضمير القومي أو الوعي بالتاريخ. وفي هذه الأيام بتأثير حاجات التلفزة والقنوات الفضائية يعاد إنتاج روايات إحسان عبد القدوس في مسلسلات وسهرات تلفزيونية مثل: «لا أكذب ولكني أتجمل»، و«لن أعيش في جلباب أبي».
من الواضح، أن الرواية الاستهلاكية تنتشر عربياً بتسارع متزايد، لأن المعرفة نفسها في تصارع متصاعد مع الإعلام، ولا يماري أحد أن الثقافة الرفيعة الحّقة هي اليوم أشبه باليتيم على مائدة «اللئيم» الذي هو «الإعلام». وليس تأثير الرواية الاستهلاكية في جماليات الرواية العربية هيناً خلال نصف قرن من الزمن، فهو يدخل في تفكير الروائي العربي، وفي بناه السردية، وفي نسيج حبكه، وفي تشكل صوغه الفني، وما يزال التصارع قائماً بين النزوع الاستهلاكي إلى منتهاه، ونزوع الجمالي إلى منتهاه. وثمة روائيون يمثلون هذا الفريق أو ذاك. ولكننا يندر أن نجد روائياً عربياً معتبراً بمنجاة من هذا التصارع، وهذا واضح في أعمال جبرا إبراهيم جبرا وحنا مينه ووليد إخلاصي ونبيل سليمان (سورية) وعبد الرحمن الربيعي (العراق) وبهاء طاهر وفتحي غانم (مصر) ومحمد صالح الجابري (تونس) وغيرهم.
وقد استدعى ذلك مواكبة نقدية تراعي طبيعة التغير الثقافي، ولاسيما تأثير وسائل الاتصال في الأدب والنقد.
4-2- اللغة العربية والمعلوماتية:
تبدلت النظرة إلى اللغة العربية تبدلاً كبيراً خلال العقدين الفائتين بتأثير ثورة المعلومات، بل جاوز التبدل إلى التأثير العميق في خصائص منظومة اللغة العربية وعلائقها الداخلية والتعبيرية والوظيفية في الكتابة الإبداعية الروائية والقصصية، وفي نقدها الذي مال إلى المناهج الحديثة وطرائقها البحثية، وقد ساهم التفجر المعلوماتي في تكونها من الحاسوب، إلى «المالتي ميديا»، إلى الأنترنت، وهي شبكة معلوماتية كونية ومحلية جعلت التواصل المعرفي ونهاجياته وتقاناته وإجراءاته مختلفة عما كانت عليه قبل هذين العقدين، وصار الحديث عن الكتاب الإلكتروني باستعمال الكتابة الحاسوبية وقابليات التأليف والتوثيق وثراء تعدد الوسائط، في متناول اليد، مما يتدخل إلى حدّ كبير في تنظيم عمل المخيلة الإبداعية، وفي انتظام منهجية محددة للعمل النقدي في آن واحد.
ويظهر هذا التبدل العميق في اللغة العربية في تأملنا لتطور استجابة اللغة العربية لهذا التفجر المعلوماتي، منذ الدورة السابقة لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي (الرباط 1989)، فقد تفاقمت الحساسية العربية إزاء التحديات التي تواجه اللغة العربية، فحملت الدورة شعاراً شديد الدلالة هو «اللغة العربية هويتنا القومية».
قدم لهذه الدورة أكثر من عشرة بحوث لعدد من كبار الخبراء والاختصاصين أمثال شكري فيصل وتمام حسان وعلي الشابي وإبراهيم عبد الله رفيدة وجميل عيسى الملائكة والطيب البكوش وإبراهيم بن مراد ومحمد رشاد الحمزاوي ومحمد مصطفى بن الحاج وزكي الجابر، ومحمد السويسي ومحمد خليفة الدناع ويوسف الخليفة أبو بكر، وطبعت هذه الأبحاث في كتاب «من قضايا اللغة العربية المعاصرة» (1990).(10)
إن ثمة نظرة جديدة وتعاملاً جديداً للغة العربية في البحث العلمي، ومنه النقد، لابدّ من أخذهما بالحسبان، فقد توصل الباحثون العرب إلى نتائج هامة تتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات العربية، منها:
- طرق تخزين البيانات واسترجاعها.
- المعاجم العربية لإصلاح التهجئة.
- برامج تدقيق الإملاء الصرفية والنحوية.
- المحلل الصرفي.
- برامج تحليل الإعراب النحوي.
- برامج التحليل الدلالي.
- برامج توليد الكلمة في اللغة العربية(11).
ثم صدر مؤلف من «قضايا فكرية» عن «لغتنا العربية في معركة الحضارة» (1997)، والبارز في مقالاته وأبحاثه المكتوبة بأقلام نخبة من المفكرين والعلماء والأدباء والنقاد، ثلاثة أمور، الأول توكيد منزلة اللغة العربية في تدعيم أبحاث الهوية، والثاني هو مقدرتها على التجدد والأصالة، وفي صلب ذلك مواجهتها للتحدي الاتصالي والمعلوماتي، والثالث هو استجابتها البطيئة والقاصرة والتخلف على الرغم مما تحقق لها من تجديد وتطوير وتطويع نسبي لمقتضيات العصر وحاجات التطور المجتمعي العربي بجوانبه الإبداعية والتنموية والإنتاجية جميعها.
وكانت شهادة خليل النعيمي (سورية)، وهو روائي وطبيب وجراح. درس الطب والفلسفة في جامعة دمشق، ويعمل حالياً في مستشفيات باريس، في منتهى الأهمية عن ثراء اللغة العربية واستجابتها الدائمة للتجدد والتأصيل، مما يفسر سيرورتها وبقاءها واحتضانها للغة العلوم والمعلوماتية:
«أما الصبغيات (الكروموزوم)، والمعلوماتية (الأنفورماتيك)، والعصب الودي (السمبتاوي)، والبطين (فالتريكول)، وهو بطين القلب التشريحي، والشغاف (بيريكارد) وهو الذي يحيط بالقلب، ويحميه، أي شيء أكثر تعبيراً عن هذه المهمة من الشغاف؟. ولابد أن كلمة الشغف، اشتقاقاتها جاءت من هذه الإحاطة الحميمة، وغير هذه من التعابير والكلمات المعربة التي درسناها في جامعة دمشق، وهي التي باستطاعتها أن تضفي بعداً جديداً على اللغة، وتعبر، في الوقت نفسه، عن طاقة هذه اللغة على التجدد والتطور»(12).
وتحدث النعيمي عن فضل اللغة عليه كاتباً وطبيباً جراحاً، لأن «اللغة بلا علم هي لغة خرساء»، ولأن التعريب ليس دائماً تخريباً، «إنه، على العكس سلاح إضافي بالنسبة للطبيب العربي مثلاً، و«لغة الدراسة ولغة الممارسة هي نفسها، وإذا ما قرر أن يتخصص، فإنه بالتأكيد سيكون قادراً على تخطي عوائق تعلم لغة جديدة»(13).
وتميز بحث نبيل علي (مصر) «نحو نظرة أشمل للغة»، في تصديه المبكر والدقيق للغة العربية والمعلوماتية، وهو صاحب أول مؤلفين باللغة العربية عن هذه القضية الشائكة والهامة: «اللغة العربية والحاسوب» (1988)، و«العرب وعصر المعلومات» (1994). وقد عالج علي اللغة ضمن المحاور التالية:
* الدور الأكثر خطورة الذي تلعبه اللغة في مجتمع المعلومات.
* الموقع الأكثر أهمية الذي تحتله اللغة حالياً على خريطة المعرفة الإنسانية.
* الإشكالية الأكثر تعقيداً التي تصاغ في قالبها قضية اللغة.
* التوجهات الأكثر تعدداً لتناول إشكالية اللغة وأمور معالجتها آلياً بواسطة الكمبيوتر(14).
لقد وضع نبيل علي الملح على الجرح، على أن السبيل متاح لمجاوزة الراهن غير المرضي، باللجوء إلى المجالات التالية:
* تكنولوجيا المعلومات كأداة للإحصاء اللغوي.
* استخدام تكنولوجيا المعلومات في معالجة الكتابة العربية.
* تكنولوجيا المعلومات كأداة للصرف العربي.
* تكنولوجياالمعلومات كأداة للنحو العربي.
* استخدام تكنولوجيا المعلومات في الفهم الأتوماتي للسياق اللغوي.
* تكنولوجيا المعلومات في تحليل النتاج الأدبي وأساليب الكتاب.
* تكنولوجيا المعلومات كأداة لمكننة المعجم العربي.
* تكنولوجيا المعلومات كأداة لدعم العمل المصطلحي.
* تكنولوجيا المعلومات في مجال الترجمة الآلية.
* توليد الكلام العربي وفهمه آلياً(15).
أجل، تبدلت النظرة إلى اللغة العربية وممارستها في المجالات كافة بتأثير ثورة المعلومات، ولم يكن الأدب والنقد الأدبي بمنجاة من ذلك.
5- تنامي أبحاث الهوية:
تفاقمت المخاطر المحدقة بالذات القومية أثر هزيمة 1967، مما دعا إلى أمرين متلازمين في الفكر العربي، الأول هو موجة نقد الذات، وأطلقه صادق جلال العظم (سورية) في كتابه الشهير «النقد الذاتي بعد الهزيمة» (1969)، والثاني تنامي أبحاث الهوية وعياً بالذات، وبالتاريخ العربي، وبالآخر الأجنبي، الذي صار إلى تأزم ضاغط على الوجدان المهيض، وكنت بينت في بحثي «أزمة الذات في الرواية العربية» (عالم الفكر 1996) أن الرواية هي الفن الحديث الأكثر تعبيراً عن تحديات الحداثة في المجتمع العربي، حتى صار الفن سجلاً دقيقاً للصراع الحضاري الذي تعرف فيه العرب إلى ذاتهم، وإذا كان الفكر العربي في عصر النهضة قد عكس ـ صراحة ـ تمع السلامةن الموقف من الهوية العربية الحضارية، وتصاعد مللاً واتجاهات وتيارات عصفت بالعرب، في محن الموقف من الخلافة، أو الصدام مع الغرب الاستعماري، أو امتحان الاستقلالات الوطنية وتعارض المشروع العربي مع المشروع الصهيوني بقيام الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي، وفي المحن المتتالية مع استقطاب العرب الدولي، عسكرياً وإيديولوجياً وسياسياً، فصار العرب أكثر من عرب، متوزعين على معسكرات خارجية، ومنقسمين على أنفسهم في تحالفات أو متاريس غذتها أوهام ومصالح لم تكن عربية في صميمها، وكانت الخلافات العربية ـ العربية التي تطورت إلى الاقتتالات العربية بين قطرين عربيين أو أكثر، أو بين فئات القطر العربي الواحد، في حروب أهلية، أو مسلسلات الإرهاب، والاغتيال على «الهوية»، ويا لها من هوية مغدورة! وكان العجز الصريح عن الوفاء لأهداف المشروع العربي في التوحيد والحرية والدمقرطة والعلم والعدالة والمساواة والتقدم الاجتماعي، وهي مجموعة قيم المجتمع المدني التي لا تزال جوهر التحدي الحضاري، وكانت الهزائم العربية المتتالية أمام «إسرائيل» والغرب الأوروبي والأمريكي، وانتعشت الدولة القطرية، واعترف العرب بعجزهم، وبالتباس مفهوم الهوية في ممارستهم السياسية، وصار ذلك واقعاً جديداً مع حرب الخليج الثانية التي وضعت الذات العربية في أزمة(16).
ناضل العرب طويلاً من أجل حريتهم إزاء الغرب الغازي، المحتل، المستعمر، في حركات الاستقلال التي استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى إلى نهاية الحرب العالمية الثانية في بعض الأقطار العربية، وإلى الخسمينيات والستينيات في أقطار أخرى مثل المغرب وتونس والجزائر واليمن الجنوبي. وعرفوا أثناء مقاومتهم المديدة للاستعمار الغربي أن عليهم أن يواجهوا أعداء في الداخل عششوا بتأثير قرون من استعمار مختلف هو الاحتلال العثماني، في ذلك الانحطاط الداخلي والتخلف المروع للعرب عن مستعمريهم الغربيين الجدد، وفي تلك المفارقة الفظيعة بين التقدم الأوروبي، والتخلف العربي، عولجت ثنائية التقدم والتخلف، وفي مقابلهما ثنائية التنمية والتبعية. ويطرح كتاب خالد زيادة (لبنان) «اكتشاف التقدم الأوروبي ـ دراسة في المؤثرات الأوروبية على العثمانيين في القرن الثامن عشر» (1981) السؤال الجوهري في سياقه التاريخي، ففي «نهاية القرن الثامن عشر والبدايات الأولى للقرن التاسع عشر، كان التقدم الأوروبي قد أحاط العالم الإسلامي برمته. فنشأ التفكير في هذا الإقليم أو ذاك بضرورة الأخذ بالتقنيات الحديثة، والتعرف إلى الأنظمة التي جعلت من الدول الأوروبية بلداناً متفوقة على غيرها من بلدان العالم. في هذا الإطار تكتسب التجربة العثمانية أهميتها الخاصة، لأن العثمانيين كانوا من أوائل الذين تنبهوا إلى التقدم الأوروبي، وعملوا على الاستفادة منه، ولأن الدولة العثمانية كانت لا تزال تمثل حتى ذلك الوقت الدولة الإسلامية الأقوى»(17).
وليس بمقدورنا أن نحصي المقالات والأبحاث التي تصدت لهذه الثنائية، ولكننا نتعمد الوقوف عند بعض الصوى للاسترشاد بسبل التصدي لها في الثقافة العربية الحديثة، وقد ارتفعت وتيرتها في فترة البحث، رفضاً للتبعية، ونشداناً للتنمية والتنمية المستقلة، على أن ذلك هو الطريق الصعبة القاسية التي ينبغي على العرب أن يسلكوها لمواجهة تلك المفارقة الفظيعة بين التقدم الأوروبي والتخلف العربي.
ولا شك في أن البحث في قضايا التبعية بدأ قبل ذلك بوقت، ولكنه لم يصبح ضاغطاً إلا في السبعينيات والثمانينيات، وكان كتاب عواطف عبد الرحمن (مصر) «قضايا التبعية الإعلامية والثقافية» (1984) ريادياً في بابه، متساوقاً مع هيمنة الإعلام على سلطة المعرفة، والاستخدامات السريعة والمباشرة لوسائله المختلفة في آليات التبعية الإعلامية والثقافية، فيما عرف بالغزو الثقافي. وقد أخذت هذه الآليات مفاهيم مختلفة ومتطورة مثل الاختراق والتغريب والتغطية، وبرز في هذا المجال إدوار سعيد (فلسطين) في كتبه الأساسية، فعرى الاستشراق بوصفه سلطة معرفية في خدمة الاستعمار في كتابه «الاستشراق» (1978)، وفضح التضليل الإعلامي الغربي ضد الإسلام في كتابه «تغطية الإسلام في وسائل الإعلام» (1981)، وكشف عن التواطؤ الكلي والتشابك الحميمي بين الإمبريالية والثقافة التي أنتجتها مجتمعاتها، وعن الأبعاد المقموعة للثورة ضد السيطرة الإمبريالية في جميع بقاع العالم غير الأوروبي، بتعبير كورنل ويست، في كتابه «الثقافة والإمبريالية Culture and Imperialism» (1993). ويخبرنا إدوار سعيد نفسه أن كتبه هذه تؤلف مشروعاً واحداً لوعي الواقع العربي والفلسطيني، ولتحقيق التقرير الذاتي للمصير. «إن تاريخ الإمبريالية ليعلمنا أنه ليس في وسع شيء سوى فكرة حقيقية للتحرير والمساواة أن يقاوم قوة الإمبريالية ويصدّها»(18).
يتبع ...