منتدى شعاع الإيمان

إذا أردت النجاح في حياتك الدينية و الدنيوية .. فأنت في المكان الصحيح
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  القرآن الكريم  الفوتوشوب  اتصل بنا  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
أفضل الاعضاء هذا الشهر
آخر المشاركات
احصائيات سريعة
هذا المنتدى يتوفر على 583 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو محمود لاشين فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 7758 مساهمة في هذا المنتدى , في 2969 موضوع

اهلا بك زائرنا الكريم النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات R310

لأننا نعتز بك .. ولأننا نفخر بوجودك معنا.. نحن ندعوك للتسجيل معنا في منتدانا ولتكون أحد أفراد عائلتنا الودودة فهل ستقبل دعوتنا ؟ عملية التسجيل سهلة جدا ، تستغرق أقل من دقيقة

النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات

حفظ البيانات
الرئيسيةالإنضمامنسيت كلمة المروربحثطلبات التصميم اتصل بنا

شاطر
 

 النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعالموضوع
بوح القلم
بوح القلم


عضو vip

عضو vip
معلومات إضافية
 احترامه لقوانين المنتدى احترامه لقوانين المنتدى : النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات 34phz0l
الدولة الدولة : المغرب
الجنس الجنس : ذكر
عدد المساهمات عدد المساهمات : 1546
نقاط العضو نقاط العضو : 36
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 06/03/2015
العمر العمر : 26

النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات Empty
مُساهمةموضوع: النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات   النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات Clock11الخميس 17 ديسمبر - 19:41

النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات

النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات





سعيد بنگراد


(01)
عرفت الساحة الفكرية العربية، والنقدية منها خصوصا، في السبعينيات من القرن الماضي موجة من التصورات الجديدة كانت جميعها تطمح إلى إعادة النظر في كل قطاعات المنتوج الأدبي. وتلك كانت هي البدايات الأولى التي أعلنت ميلاد مرحلة جديدة ستعرف ظهور ما سمي بـ )النقد الجديد(. وكان الأمر يتعلق بتصور نقدي يستند في ممارساته تارة إلى البنيوية وتارة إلى السميائيات بتوجهاتها المختلفة، وتارة إلى جماليات التلقي،ومرات قليلة إلى التيار التفكيكي الذي لم ير النور أبدا في البيئة الثقافية العربية إلا على شكل إحالات جزئية لم تشكل في يوم من الأيام تيارا مستقلا بذاته. والحاصل في كل هذا ظهور إبدال جديد يسلم بـ )وحدة الظاهرة الدلالية(، ويُشرط الوجود الإنساني بقدرته على إنتاج المعاني وتداولها. استنادا إلى هذا الإبدال ستعرف الممارسة النقدية اتجاها جديدا سيعيد النظر في أدوات التعاطي مع كل الوقائع، كما سيعيد النظر أيضا في مفهوم النص وفي مكوناته وبناه الداخلية وطريقته في إنتاج معانيه.
وبغض النظر أيضا عن المردودية الحقيقية لهذه القراءات، وعن درجة استيعابها للمتاح المعرفي الذي وفرته الحضارة الإنسانية المعاصرة، فإن النقد الجديد ساهم، بهذا الشكل أو ذاك، في زعزعة الكثير من القناعات الراسخة التي كانت تنظر إلى النص باعتباره مستودعا لمعان جاهزة بالإمكان التعرف عليها كليا أو جزئيا استنادا فقط إلى قدرة المحلل على الكشف عن )الظاهر( و)المستتر( من العوالم الدلالية التي يبنيها النص، سواء تم ذلك من خلال البحث عن العلل الدفينة للدلالات في ذات المؤلف أو في محيطاته البعيدة والقريبة، أو من خلال ربط الأعلى بالأسفل في أفق الكشف عن الرابط الخفي بين وعي للحياة - حقيقي أو مزيف - وبنيات اقتصادية هي العنصر الحاسم في تمثل مظاهر الحياة، وفي ظهور كل الأشكال الخاصة بتنظيم المضامين وتوزيعها على جزئيات السلوك اليومي.
ومن أجل تأسيس هذا التصور كانت العودة من جديد إلى ما يُعد المادة الرئيسية التي يتشكل منها الأدب، ويمثل أمام القارئ باعتباره وقائع )مصنوعة( تتخذ شكل نصوص مستقلة بذاتها. إن الأمر يتعلق باللغة وبكل ما تختزنه من تصورات عن موجودات هذا الكون: الإنسان والأشياء وباقي الكائنات الحية، وما أنتجه المخيال الإنساني في رحلته الممتدة طويلا في أعماق زمنية لا نعرف عنها إلا الشيء القليل. فالأدب ليس شيئا آخر سوى العوالم التي تبنيها اللغة. لذلك، )فالحديث عنه يقود بالضرورة إلى الحديث عن اللغة، ولا يمكن الحديث عن اللغة دون الاطلاع على الإنجازات التي حققتها اللسانيات والتحليل النفسي. ومن المستحيل أيضا الوقوف عند هذه الأعمال دون التساؤل عن فلسفة خاصة بالوجود الإنساني كله. وفي نهاية المطاف، علينا بالضرورة استحضار التصور الخاص بالإنسان باعتباره كيانا مودعا داخل اللغة وأحد منتجاتها. حينها سيسقط كل شيء: الحس السليم والبديهيات الطبيعية والسيكولوجيا( (1).
وهناك في تصوراتنا للوجود ما يبرر ذلك، فالعالم الخارجي ليس سوى مجموعة من الموضوعات المتناثرة في فضاءات ممتدة في كل الاتجاهات: الأشياء والوقائع والأفعال والممارسات المتنوعة. واستنادا إلى هذه الموضوعات يمكن الحديث عن سلمية تقويمية مستحدثة تمنحنا القدرة على التمييز والتصنيف وعزل الظواهر بعضها عن بعض، وهي بذلك نسبية ولا يمكن إدراكها إلا ضمن السياقات الثقافية المخصوصة. لذلك فإن هذا العالم الطبيعي الخالي من أي استثمار دلالي، لا يمكن أن يتأنس إلا من خلال تحويل الأشياء إلى علامات. حينها، وحينها فقط، تتخلص الأشياء من بعدها الوظيفي لكي تصبح خزانا لكمية هائلة من المعاني تشير، خارج وظيفة التعيين أو ضدا عليها، إلى مواقع متنوعة داخل الامتدادات الرمزية اللامتناهية للكائن البشري في كل ما يحيط به.
وذاك هو الحد الفاصل بين )الوظيفة( و)المعنى(، بين النفعي المباشر والتحديد الرمزي، فالوظيفة تشير، ضمن هذه الثنائية، إلى نشاط بعينه، أما )المعنى فثابت لايتزعزع، إنه سلسلة من الروابط. وضمن هذه الثنائية يعيش الشيء حالة صراع قوي بين حركية وظيفته وسكونية دلالته. يقوم المعنى بتثبيت الشيء ويحوله إلى كيان مكتف بذاته ليمنحه موقعا داخل ما يمكن أن نسميه مشهدا حيا داخل المخيال الإنساني((2)، في حين تقوم الوظيفة بإدراج الشيء ضمن مردوديته داخل المناطق النفعية للحياة. إن الأمر يتعلق بالفاصل الذي يقود إلى بناء عوالم الممكن والمحتمل من خلال الفصل بين الشيء وماديته، بين حضوره الفعلي، ودلالاته التي لا يمكن إدراكها إلا من خلال استقرارها في سياقات قابلة للتحيين الرمزي. >فالشيء يمتلك معنى عندما يتحول إلى حامل لواقع يتجاوزه) على حد تعبير سارتر (3).
ومن هنا كانت فكرة التوسط الإلزامي التي تحكم وعي الإنسان لعالمه، فالتوسط هو ما يبرر ويعلل ويضمن استقبالا سلامة الإحالة من الدال إلى المدلول، من الأول إلى الثاني، من هشاشة التعيين المباشر، إلى الإمساك بالجوهر المجرد القابل للتعميم. وهو ما يعني، بعبارة أخرى، أن (الذات لا يمكن أن تعي نفسها بشكل مباشر خارج كل الوسائط، فالعلامات التي أودعتها الثقافة في الذاكرة والمخيال (4)، هي الشرط الضروري لإنتاج معرفة >قابلة للتجريد والاستهلاك والتداول. وخارج التجريد والتعميم ليس هناك سوى )التجربة الصافية( على حد تعبير بورس، إحالة بلا أفق أو ضابط أو قانون، كائنات وأشياء لا تستقر في الذاكرة إلا على شكل أحداث عرضية، وستتلاشى من تلقاء ذاتها بمجرد ما تنتفي الشروط المباشرة التي أنتجتها. وتلك هي الخاصية الرئيسية في الوجود الإنساني، وهي الخاصية ذاتها التي أباحت لنا التعامل مع الإنسان باعتباره كائنا منتجا للرموز ومستهلكا لها وأول ضحاياها.
فما يمثل أمامنا بشكل مباشر لا علاقة له، بحكم حالات التناظر الظاهري، بما يمكن أن تحيل عليه العلامات بداهة، فالعرف وحده هو الذي خلق روابط ألفها الناس بين كيان صوتي وبين مفهوم يصدق، ضمن تقطيع لغوي بعينه، على قسم من ا لأشياء. فالمعنى المنشود لا يوجد بشكل قبلي لا في الأشياء ولا في المواد الصوتية الدالة عليها، إنه موجود في )الانزياحات الخالقة للفوارق الخلافية، وهي انزياحات غير معطاة بشكل مباشر من خلال المادة، إنها على العكس من ذلك، نتاج المحاولات التي نقوم بها من أجل الإمساك بالشروخ الموجودة في عالم لا نعرف عنه أي شيء، فما يشكل هذه الانزياحات حقا هو العلاقة بين الظواهر والاختلافات الموجودة بينها( (5).
وبطبيعة الحال سنترك جانبا مجموعة كبيرة من القضايا الخاصة - داخل نظرية عامة للمعنى - بالعلاقات الممكنة بين العلامة وما يمكن أن تحيل عليه خارجها. فالروابط الممكنة بين كيان رمزي وامتداداته فيما يوجد خارجه يمكن أن تتحدد من خلال السياق الاستعمالي من جهة، ومن خلال النظر إلى المرجع ذاته باعتباره وحدة ثقافية (6) لا يمكن أن تكون معادلا لشيء ما إلا من خلال تجريده وتحويله إلى نماذج تشتمل على كل النسخ الممكنة للشيء. وهذا ما يصدق على حالات الإدراك المباشر ذاتها. فحتى في الحالة التي نشير فيها بشكل مباشر إلى القط الفعلي مثلا، فإن ما يتسرب إلى الذهن هو صورة عن هذا القط، أي الخطاطة المختصرة التي تحدد هوية قسم، لا الإحالة على نسخة لا يمكن أن يكون لها معادل مجرد في الذهن. )فما تتم الإحالة عليه يشكل في ارتباطه بالعلامات عالما ثقافيا لا يمكن اعتباره واقعيا ولا ممكنا بالمعنى الأنطولوجي للكلمة( (7)، إنه كيان يعيش في الذهن من خلال التمثيل الرمزي.
وضمن هذه الخطاطة الرمزية يندرج النص. فالنص الأدبي، ككل الأنساق الفنية الأخرى، بل ككل الظواهر الإنسانية الدالة، نسق من طبيعة ثانية، ذلك أن الاستعمال الأدبي يحول اللسان إلى حامل لدلالات رمزية تدفعه إلى تجاوز بعده النفعي التعييني. إن هذا التحول هو المفصل الرئيس الذي يجب الإمساك به من أجل إجلاء دلالات أخرى للنص غير ما تقوله الكلمات بشكل مباشر، فهو المبرر الرئيس للبحث عن معان أخرى غير ما تحيل عليه الكلمات بشكل مباشر. )فكل دلالات العناصر المكونة للعمل الفني يجب أن تؤول وفق السنن الأدبي( (8) لا وفق موقعها داخل اللسان.
لذلك، فإن ما نقرؤه في هذه الظواهر ليس معنى جاهزا مستقلا بذاته، فالحقيقة لاتوجد بشكل مطلق في النص الغفل، إن النص فرضية للقراءة فحسب، بل مثواها السياقات التي يمكن بناؤها مع توالي القراءات وتنوعها، وهذه السياقات ذاتها هي فرضيات للقراءة تعد معطيات النص الأولية قاعدتها الأساس. إن ما نقرؤه حقا هو تحققات ممكنة للظواهر من خلال فعل التأويل، إنها عوالم خاصة يولدها استقبال النصوص المتغير باستمرار.
استنادا إلى هذا التصور العام، فإن النصوص المكتوبة والبصرية وغيرها، باعتبارها منتوجا إنسانيا، أي شكلا من )الأشكال الرمزية( التوسطية بتعبير كاسيرير (9)، ليس شيئا آخر سوى استعادة رمزية لمجموع العوالم التي تشكل ما يطلق عليه في الأدبيات السردية العوالم الممكنة. فهذه العوالم لا يمكن النظر إليها باعتبارها استعادة حرفية لوقائع )واقعية( مباشرة، بل هي بناء ثقافي (10) يتم في انفصال عن الواقع واستنادا إليه في الوقت ذاته، إنه العناصر التي تُبنى داخل الأشكال الرمزية ومن خلالها (بما فيها اللغة بطبيعة الحال).
إن الأمر هنا لا يتعلق إلا بمبادئ عامة هي الأساس الذي سترتكز عليه الكثير من النظريات الأدبية الحديثة من أجل بلورة تصورات خاصة بالمعنى وسبل الوصول إليه، وكذا تحديد حجمه وامتداداته فيما يحيط به، والتعرف على أنماط تجليه من خلال أشكال تعبيرية متنوعة، فالدلالة لا تكترث للمادة الحاملة لها، كما كانت تلح على ذلك كل الأدبيات البنيوية وتدعو إليه، فكل شيء يمكن أن يصبح وعاءً للدلالة ومنبعا لها، يكفي في ذلك تحديد الروابط الصريحة والضمنية بينه وبين ما يمكن أن يحيل عليه.
وعلى الرغم من وجود هذا الأساس الموحد الذي انطلقت منه جل التصورات التي شكلت دعامة أساسية للنقد الجديد، فإن التطورات اللاحقة لم تكن موحدة، ولم تنظر إلى المعنى من الزاوية ذاتها، فكان أن تعددت التصورات وتنوعت إلى حد التناقض في الكثير من الأحيان.
فالمعنى قد يكون في تصور البعض محايثا للنص (11)، أي طاقة دلالية مكتفية بذاتها ومستقلة عن كل بؤر التلفظ ومودعة في النص - صراحة أو ضمنا - خارج إرادة القارئ وبعيدا عن تدخلاته، وعلى المحلل تقع مهمة العثور على ما يريد النص قوله استنادا إلى هذه الوسيلة أو تلك:
- قد يكون ذلك على شكل أطروحة مسبقة. حينها لن يكون النص سوى )إخراج( سردي أو شعري، أو ما تشاؤون من الأشكال التعبيرية، لمقولة نظرية أو قيمة ما أو تصور عقائدي (شرح لأيديولوجيا دينية أو سياسية أو عرقية). وسيصبح النوع الذي ينتمي إليه النص ذاته محددا من خلال هذه الأطروحة. وسيبنى على إثر ذلك استنادا إلى جمالية قائمة على المحتمل والتمثيل (12). فالغاية من النص في المقام الأول هي )الإقناع( و)البرهنة( و)التعلم(. وهذا ما ميز كل الآداب التي تنتمي إلى )الواقعية الاشتراكية(، أو على الأقل في نسبة كبيرة من النصوص التي تصنف عادة ضمنها. فـ )الأطروحة النظرية( في هذه الحالة سابقة في الوجود على البناء النصي، والكم الدلالي معروف منذ الكلمة الأولى، فالنص لا يقوم إلا بتقديم معادل مشخص لفكرة مجردة. وعلى هذا الأساس لا يبنى المعنى من خلال الوقائع، إذ ليست الوقائع سوى غطاء لمعطى مفصول عنها، إنه موجود بشكل سابق في ذهن المؤلف على شكل أحكام تامة.
- أو قد يتعلق الأمر بقصدية خاصة بالمؤلف يمكن اختصارها في ثنائية مولدة للمضامين كما دعت إلى ذلك السميائيات السردية. فهذا التوجه ولد في أحضان علم بنيوي للدلالة هاجسه الأساس وضع اليد، من خلال سلسلة من عمليات التبسيط المتتالية، على السنن الذي تنتهي عنده كل الأسنن (13). حينها لن يكون النص سوى معادل مشخص، أو وجه تصويري لمحور دلالي يمكن الإمساك به من خلال رد المتنافر إلى ما يشكل وحدة تامة هي معنى النص، أو على الأقل التناظر المهيمن داخله.
ولقد قاد هذا التصور إلى بلورة ما يسميه كريماص )المسار التوليدي( الذي يتحكم في كل حالات المادة المضمونية. والأمر يتعلق بآلية يرتكز عليها النص من أجل التحول من مستوى سميائي سابق في الوجود على أي تجل، إلى ما يشكل الواقعة المدرجة ضمن )مسار تصويري أو مسارات تصويرية(. إن عمليات التوليد تقود من محور دلالي عام يربط بين قيمتين دلاليتين مكتفيتين بذاتهما، أي غير موجهتين، إلى ما يشتغل كمعادل مشخص لكل العوالم الممكنة التي تشتمل عليها هذه الثنائية البسيطة (لقد اختصر كريماص الكون الدلالي عند جورج بيرنانوس - كاتب فرنسي توفي سنة 1948 - إلى ثنائية بسيطة هي: حياة (م) موت، موجهة حسب تحققاتها في سياقات نصية بعينها)(14).
وقد يكون النص طاقة دلالية لا متناهية لا يمكن أن ترى النور إلا من خلال القراءات المتتالية. فكل القراءات )خاطئة(، حينها تصبح كل المعاني ممكنة، ذلك أن كل الإحالات جائزة. فما هو أساسي في سيرورة القراءة ليس الوصول إلى معنى ما، أو الوقوف عند حد بعينه، فلا غاية هناك سوى الانتقال من معنى إلى آخر ضمن توالد سرطاني لا متناه، بتعبير إيكو. فمصدر اللذة هو السيرورة التي تقود من محطة إلى أخرى ضمن رحلة لا نعرف عنها سوى بدايتها ضمن لعبة )تأجيل( دائم، بتعبير دريدا، يمنع الدال باستمرار من الاستقرار على مدلول ما. وعلى عكس ما تقدمه الحالة الأولى في مظهريها الأطروحي والثنائي، فإن ما تبحث عنه في هذه الحالة لا نعرف عنه في واقع الأمر أي شيء، بل لا قيمة لما يمكن أن يصل إليه المؤول، ما دامت كل النهايات هنا هي نهايات مؤقتة سرعان ما تتحول إلى بداية جديدة.
وقد يكون المعنى متعددا ومتنوعا، ولكنه محدود في الحجم والعدد محدودية سياقات النص ذاتها. فالسياقات المحتملة ضابط وتحديد مسبق، وليست تسيبا وتيهانا في بحر دلالي بلا ضفاف ولا تخوم. فالنص كما يشير إلى ذلك إيكو، يحتوي، بحكم التكون والتحقق، على عناصر ثابتة لا يمكن أبدا تجاهلها في عمليات استقبال النص وتحديد دلالاته (15). وتعد هذه العناصر في نهاية الأمر )مجموعة من التوجيهات التأويلية التي يجب أخذها بعين الاعتبار في كل فعل تأويلي، وإلا تحول التأويل إلى كتابة جديدة لاضابط لها سوى هوى القارئ. فهذه العناصر تقلص من عدد المسارات الممكنة، بل قد تحد من عمليات التخيل عند القارئ ذاته( (16).
إن الأمر يتعلق بالحالة التي تمثلها السميوز (سيرورة إنتاج المعنى في تصور بورس). فالسميوز مفتوحة نظريا وقابلة للانتشار في كل الاتجاهات، إلا أنها من الناحية العملية محدودة في الحجم والتحقق. فبناء الخطاب المخصوص يقلص من حجمها ويحد من امتداداتها، فهو يحين بعضا من الدلالات ويدفع بأخرى إلى التراجع (17). إنه يفرض عليها سلسلة من الانتقاءات تعد وحدها الضمانة على انسجام الكون أو الأكوان الدلالية.
فللتوالد الدلالي منطق وضوابط، وضماناته هي الروابط الممكنة بين ما يشكل بؤرة الانطلاق، وما يمكن تحديده كمدلولات نهائية محتملة ضمن هذه السيرورة أو تلك. ولذلك، فكل قراءة إنما هي سيرورة انتقائية تبني قصديات وتحينها من خلال خلق آثار معنوية محددة، وتلغي من حسابها ما يمكن أن يتحقق ضمن مسارات أخرى. إنها تقوم بتخدير - بتعبير إيكو - ما يحتاج إلى عملية تنشيط لاحقة ليصبح قصدية جديدة ضمن فرضية جديدة للقراءة.
وهذا ما دفع القائلين بهذا التصور إلى الاستبعاد الكلي لتلك الفكرة العزيزة على قلوب الهرموسيين - الأوائل منهم على الخصوص - والقائلة بوجود )مركز دلالي( أصلي يمكن التعرف عليه واستعادته على شكل كم دلالي مستقل. فهؤلاء كانوا يبحثون من خلال التأويل، عن معنى ثان يختفي وراء المعنى الأول (18). الثاني ثابت مستتر هو جوهر النص وغايته الأصلية، أما الأول فلا يشكل سوى التحلي المباشر لكل عمليات التوليد الدلالي. وتلك حالة النصوص المقدسة، وحالة الأعمال الفنية الكبرى التي تخفي )أسرارا( يجب الكشف عنها.
لقد كان الهرموسيون يبحثون عن معنى يعرفون عنه كل شيء، فهو سر، وككل الأسرار يفترض عمليات كشف تقود إلى إجلاء مكنونه. ولم تكن تلك هي غاية النقد الجديد، في بعض توجهاته على الأقل. فالنشاط التأويلي في تصوره، على العكس من ذلك، لا يعرف عن المعنى سوى الفرضيات التي قد تقود إليه. فالتعرف على المعنى جزء من سيرورة تشكله، لذلك فالنقد لا يعين معنى، بتعبير بارث، بل يقتفي آثاره.
والتصور الأخير جدير بالتأمل، فإذا لم يكن هناك قارئ )أعلى( قادر على الإحاطة بدلالات النص من خلال قراءة شاملة وكلية (19)، فذاك افتراض لا يقبل به أشد المنظرين أصولية، فمعنى العلامات ليس مفصولا عن استعمالاتها، وإذا لم يكن المؤلف ذاته ضمانة على تأويل )صحيح( (20) لما يقدمه للقارئ، فالعالم الذي تبنيه الذات المبدعة أرحب من إرادتها، فإن النص لا يشتمل على معنى )حقيقي( (21). وهو ما يعني، تبعا لما سبق، أن موضوعية المعنى ذاتها ليست ثابتة، ولا يمكن أن تشكل معطى مفصولا عن كل القصديات، إنها على العكس من ذلك، قابلة للتكيف مع الشروط التاريخية التي يستقبل النص ضمنها (22).
استنادا إلى هذا التصورات النظرية العامة الخاصة بالدلالة وأنماط إنتاجها، تناسلت الخطاطات التحليلية باعتبارها أدوات محددة للمداخل الممكنة للنصوص. بعضها يستمد شرعيته من التاريخ ذاته، كما هو الشأن مع الخطاطات السردية. فالسرد احتفاء بالزمن ونمط في استيعاب >دفقه اللامتناهي)، ذلك أن (الزمن لا وجود له إلا من خلال التمثيل السردي) (23)، لذلك فهو موجود في كل الأنشطة الإنسانية (24). فمنذ أن بدأ الإنسان يتلمس طريقه بعيدا عن إكراهات الطبيعة ومحدوديتها وإيقاعها المكرور، كانت الحكايات هي مستودع تجاربه من أشدها بساطة (ما يتعلق بتنظيم حياته الخاصة) إلى أكثرها تعقيدا، تلك التي حاول من خلالها إيجاد أجوبة عن أسرار الكون.
توقيع : بوح القلم




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نقطة إبداع
نقطة إبداع


عضو vip

عضو vip
معلومات إضافية
الدولة الدولة : المغرب
الجنس الجنس : ذكر
عدد المساهمات عدد المساهمات : 937
نقاط العضو نقاط العضو : 0
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 17/09/2015
العمر العمر : 32

النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات Empty
مُساهمةموضوع: رد: النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات   النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات Clock11الخميس 24 ديسمبر - 14:53

كالعادة إبداع رائع 
يسلموو 
وطرح يستحق المتابعة


شكراً لك 
سلممت يداك 
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير
توقيع : نقطة إبداع




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
النقاد يتحدثون ، النقد الجديد الأصول النظرية وشروط الاستنبات
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النقاد يتحدثون ، النقد و الحداثة
» النقاد يتحدثون ، أزمة النقد الأدبي
» النقاد يتحدثون ، التفكيكية من الفلسفة إلى النقد الأدبي
» النقاد يتحدثون ، اتجاهات النقد الروائى المعاصر
» النقاد يتحدثون ، المقاييس الفنية في نقد النقد الحديث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شعاع الإيمان :: أشعة أدبية و ثقافية ::   :: شعاع الأدب العام-