بين أرسطو والجرجاني/ الغرابة والألفة ، الأدب و الغرابة
بين أرسطو والجرجاني/ الغرابة والألفة ، الأدب و الغرابة
تشبه البلاغة العربية البلاغتين اليونانية والهندية كما يبدو ذلك واضحا من خلال الأمثلة المستعملة ( الرجل كالأسد) وأنواع الصور الموجودة . و إذا كانت البلاغة اليونانية تهدف إلى إنتاج قوانين الخطاب وتعليم الناس كيف يخطبون من أجل إقناع الآخرين داخل المجتمع الديمقراطي السياسي والانتخابي الذي يحتاج إلى منطق الإقناع والتأثير في الجمهور السياسي، فإن البلاغة العربية هي تفسير للخطاب أي هدفها هو تفسير القرآن وتبيان أوجه الإعجاز القرآني من خلال رصد الصور البلاغية وتحليلها واكتشاف أوجه الروعة والجمال فيها. ولكن البلاغة العربية خضعت للتصنيف والتقسيم في إطار العلوم الثلاثة( علم البيان، علم المعاني، علم البديع)، وأصاب البلاغة العربية انكماش وإهمال بسبب غرابتها وكثرة مصطلحاتها ومفاهيمها المعقدة. وهذا هو شأن الريطوريقا الغربية التي انكمشت بدورها ولم تجدد إلا مع منظورات بنيوية وسيميائية حديثة كما فعل رولان بارت في كتابه قراءة جديدة للبلاغة الجديدة10.
ويلاحظ أن الثقافة العربية الكلاسيكية على مستوى التقبل والتلقي قائمة على الغرابة والإبعاد والاغتراب كما يظهر ذلك جليا في الشعر والبلاغة اللذين يعتمدان على الصور الفنية القائمة على التشبيه والاستعارة والكناية والتي تساهم في تعمية النص وإثرائه بالغموض و الإبهام المجازي الذين لا ينكشفان إلا بنبراس الشمس ونورها الوهاج ومشكاتها الكاشفة .
السعيد موفقي