الاختلاف أمر طبيعي بل حتمي في هذا الكون
الاختلاف أمر طبيعي بل حتمي في هذا الكون
وهذه سنة إلهية ، حيث بيّن الله سبحانه وتعالي أن الناس في خلاف ، وأنهم لا يزالون مختلفين ، وأن الخلاف لا يعرف أحقيته أو بطلانه من كثرة الأعداد أو قلتها ، وأن الحق لا يرتبط بالأشخاص ولا بالدول ولا بالمؤسسات ، والحق أصيل وقديم ، وهو الغالب ، بالكلمة والحجة والبرهان ، وأن الحق لا يحتاج إلى أشخاص يجيدون الشتائم والسباب ، وأن الحق لا يريد إقصاء الآخر ، ولا إلغاء شخصه ، بل الحوار معه ، في جو يكفل المساواة في الفرص والإمكانات ، وكما أن الحق ظاهر فإنه لا يزال في صراع ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
ولولا قيمة هذا الصراع لما أوجده الله ، فالله سبحانه وتعالى لا يوجد - إطلاقا - شرا محضا ، ولا يوجد في مخلوقات الله شرور معدومة الخيريّة بوجه من الوجوه ، بل لا توجد مصيبة ولا شر، كموت الأنبياء ، والصالحون ، أو انتكاسة من انتكس ، أو زوال مظهر من مظاهر الخير ، إلا وفيه خير ظاهر أو باطن علمه من علمه وجهله من جهله ، فلله الحكمة البالغة كما له الحجة البالغة ، ولو شاء لهدى الناس جميعا ، ولكن الحياة أرض بلاء ومحك اختبار ، ودار عمل ، فمن شاء فليقدم لنفسه من الأعمال والأقوال ما ستنفعه يوم القصاص الأكبر .
ولو لم يختلف الناس فيما بينهم على غايات ووسائل الحياة ، وكما يسمي القرآن هذه الظاهرة \" بالتدافع \" ولو بقينا مع أبينا ( آدم عليه السلام ) في الجنة ، لما تحققت الغايات النبيلة والحكمة الربانية من التكاليف الإلهية ، ولما أبدع الإنسان أيضا في حياته التكليفية وأنتج العلوم والدراسات الغاية في الروعة ، لأن مثل هذه الدراسات لا تنمو وتزدهر إلا مع وجود التنافس والتدافع بين البشر .
ولذلك ُبعث الأنبياء ، وأبتلوا ، وُمحصوا ، وعذبوا ، ولولا دار التكليف ، لما حصل للأنبياء ما حصل ، فحياتنا جهاد ، ووجود المخالفين أمر حتميّ لا مناص منه شاء من شاء أو أبى من أبى !
وإذا تقررت تلك الحقيقة - وهي لزوم وجود المخالف - بقيّ علينا أن نتعلم كيف نعيش معه .
بقلم : صخرة الخلاص // صيد الفوائد .