اعتقاد ابن تيمية رحمه الله - عصام البشير المراكشي
اعتقاد ابن تيمية رحمه الله - عصام البشير المراكشي
سؤال:
السلام عليكم
هل صحيح ان ابن تيمية رحمه الله كان يعتقد ان الله جسم كالاجسام وانه تم سجنه بسبب ذلك وقيل ان تم تاليف مؤلفات في الرد عليه في هذا المعتقد مثل الدرر السنية في الرد على ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية لتقي الدين السبكي وابن حجر الهيتمي الذي اتى بعد ابن تيمية بزمن رد عليه ايضا فهل صحيح ماقالوه؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اعلم أخي الكريم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان على معتقد أهل السنة والجماعة، موافقا لكلام السلف، معظما للكتاب والسنة، بعيدا عن ضلالات المبتدعة من الفلاسفة والمتكلمين ومن اتبع سبيلهم. ولم يأت – رحمه الله – بقول محدث، وإنما اتبع سبيل السلف الصالح حذو القذة بالقذة.
وقد ألف ما لا يحصى من الرسائل والكتب، في الرد على المخالفين لهذا المعتقد الصحيح النقي، من نصارى وفلاسفة ومتكلمين وصوفية ورافضة وغيرهم، وبين عوارهم، وهتك أستارهم، وفضحهم بصواعقه العلمية الرصينة، التي لا تبقي ولا تذر، فكان ذلك غصة في حلوقهم، من زمانه إلى يوم الناس هذا، وإلى أن يشاء الله تعالى. فألفوا ردودا كثيرة عليه، وامتحنوه بأنواع المحن في حياته، وتتبعوا كتبه بالحرق والإتلاف بعد مماته، لكن الله نصره عليهم نصرا مؤزرا، وكتب لمؤلفاته الذيوع والانتشار في أقطار الأرض، فلا يحصى عدد المنتفعين بها.
وهو بعد رجل من علماء المسلمين يصيب ويخطئ، لكن صوابه يغمر خطأه، وحسناته تطم سيئاته، نحسبه عاش ومات على خير عظيم، والله حسيبه.
وقد اتهم بأشياء، هو منها براء، ولم يكن في ذلك بدعا، فقد اتهم قبله سادات الناس، من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين، والعلماء وأولياء الله الصالحين، في كل زمن وحين. ولكن الله قيض من يتتبع هذه الاتهامات بالتفنيد والإبطال، ويبين حقيقة معتقد هذا الإمام الهمام، حتى انقمع المخالفون في جحورهم، فلا تكاد تسمع لهم إلا همسا يسيرا، ينفسون به مكبوت حقدهم، ومكنون غيظهم.
ثم اعلم أن لفظة الجسم لم ترد في الكتاب ولا السنة، فالواجب سؤال قائلها عن مقصوده بها، فإن ذكر معنى صحيحا وجب إثباته، وإن ذكر معنى باطلا فالواجب نفيه، وتنزيه الله عنه. وهذا مذهب شيخ الإسلام، وهو لم يحد فيه عن معتقد السلف قيد أنملة، ولكن الحقد يعمي البصائر. وقد نص رحمه الله في مواضع كثيرة على وجوب تنزيه الله عن صفات النقص، والتحذير من التكييف والتمثيل. فلا ينسب إليه معنى التشبيه إلا جاهل أو حاقد.
والمتعين عليك – أخي الكريم – أن تأخذ العلم من أصوله ومنابعه، وتترك النقل عن الوسائط. فهذه كتب شيخ الإسلام مبذولة لمن أرادها، مهيئة لمن قصدها، مليئة بالاستدلالات العقلية والنقلية، بما لا يترك للمنصف غير التسليم والإقرار. فعليك بكتاب الواسطية (مع المناظرة حولها) والتدمرية والحموية، وبمجلدات العقيدة من مجموع الفتاوى، ثم بكتبه المبسوطة المفصلة.
ولمعرفة حقيقة ما وقع عليه من المحن فعليك بالنظر في ما كتبه المؤرخون الموثوقون، مثل الحافظ ابن كثير، ومثل كتاب العقود الدرية لابن عبد الهادي، والأعلام العلية للبزار.
وعلى الجملة، فشيخ الإسلام وقع الاتفاق على علمه وفضله بين الموافق والمخالف، وإنما يطعن فيه شراذم من فلول الطوائف التي شتت هذا الإمام جمعها، وفل حدها، بكتاباته القوية، وحججه السنية.
رحمه الله ورضي عنه، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.