نحن والسندباد ، الأدب و الغرابة
نحن والسندباد ، الأدب و الغرابة
في هذا الفصل ينطلق الكاتب من شعرية گاستون باشلار التي ترتكز على المبادئ الكونية الأربعة: الماء والنار والهواء والتراب في تحليل أسفار سندباد الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة. إن الكاتب يقابل بين شخصين: السندباد البري رمز الفقر والمعاناة والشقاء الأرضي ، والسندباد البحري رمز الغنى والسعادة ، ورمز الانفتاح والتحدي والمغامرة الخارقة. كما أن الكاتب يقابل بين عالمين: عالم البحر وعالم البر، أو بين فضاءين متعارضين: فضاء الانغلاق و شدة الحر والتعب والمشاكل البشرية وفضاء الانفتاح والأهوال والكنوز والمغامرات العجيبة. وتقابل القصة أيضا بين عالم الألفة وهو عالم البر أو عالم الأرض الذي يرتبط به السندباد الأرضي وعالم الغرابة وهو عالم فانطاستيكي عجائبي يتميز بمواصفات غريبة تتعلق بحجم المخلوقات، وجمع فضائه الغريب بين متناقضات ومتنافرات تتجاوز الطبائع البشرية، ووجود شعائر وعادات لم تكن تدور بخلد السندباد كأكل اللحوم البشرية وتحول الناس إلى كائنات حيوانية ووحوش خارقة ممتسخة. وكل هذا يعبر عن ثنائية الإيهام والإبهام كما أن السفر السندبادي لا يكتفي بما هو أفقي (السفر برا وبحرا)، بل يتعداه إلى ماهو عمودي( السفر في الجو وعمق الأرض). ولا تنتهي الأسفار السندبادية إلا بالتوبة والعودة إلى البر و إلى حاضرة بغداد وتوقف السرد الشهرزادي. وتنبني القصة كذلك على المقايضة السردية لأن السرد وليد توتر بين قوي وضعيف، شهرزاد راوية في موقف الضعف وشهرزاد مستمع في حالة القوة والسيطرة والبطش، و السندباد البحري السارد في حالة قوة والسندباد البري المستمع في حالة ضعف وسكون. ويكون الاستماع هنا بمائة مثقال ذهبا وعشاء فاخر للسندباد البري، وفي العقد الضمني بين شهرزاد وشهريار يكون السرد في مقايضة مع الرحمة والعطف.
هذا، وإن حكايات السندباد ماهي إلا حوار بين الانغلاق والانفتاح وإثبات لجدلية الداخل والخارج وحوار الأنا مع الآخر أو الغير. ولقد امتدت الرحلات السندبادية إلى عصرنا الحاضر واستمرت ثنائية الألفة والغرابة كما في الساق على الساق لأحمد فارس الشدياق وحديث عيسى بن هشام للمويلحي.
السعيد موفقي